وقرأ أبو البرهسم «سجودا» على وزن قعودا وهو أوفق بقياما (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ) في أعقاب صلواتهم أو في عامة أوقاتهم (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) أي لازما كما أخرجه الطستي عن ابن عباس وأنشد رضي الله تعالى عنه في ذلك قول بشر بن أبي حاتم :
ويوم النسار ويوم الجفار |
|
كانا عذابا وكانا غراما |
ومثله قول الأعشى :
إن يعاقب يكن غراما وإن يع |
|
ط جزيلا فإنه لا يبالي |
وهذا اللزوم إما للكفار أو المراد به الامتداد كما في لزوم الغريم وفي رواية أخرى عنه تفسيره بالفظيع الشديد. وفسره بعضهم بالمهلك ، وفي حكاية قولهم هذا مزيد مدح لهم ببيان أنهم مع حسن معاملتهم مع الخلق واجتهادهم في عبادة الحق يخافون العذاب ويبتهلون إلى ربهم عزوجل في صرفه عنهم غير محتفلين بأعمالهم كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) [المؤمنون : ٦٠] وفي ذلك تحقيق إيمانهم بالبعث والجزاء ، والظاهر أن قوله تعالى : (إِنَّ عَذابَها) إلخ من كلام الداعين وهو تعليل لاستدعائهم المذكور بسوء حال عذابها. وكذا قوله تعالى : (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) وهو تعليل لذلك بسوء حالها في نفسها. وترك العطف للإشارة إلى أن كلا منهما مستقل بالعلية ، وقيل : تعليل لما علل به أولا وضعفه ابن هشام في التذكرة بأنه لا مناسبة بين كون الشيء غراما وكونه ساء مستقرا.
وأجيب بأنه بملاحظة اللزوم والمقام فإن المقام من شأنه اللزوم ، وقيل : كلتا الجملتين من كلامه تعالى ابتداء علل بهما القول على نحو ما تقدم أو علل ذلك بأولاهما وعللت الأولى بالثانية ، وجوز كون إحداهما مقولة والأخرى ابتدائية والكل كما ترى. و (ساءَتْ) في حكم بئست والمخصوص بالذم محذوف تقديره هي وهو «الرابط» لهذه الجملة بما هي خبر عنه إن لم يكن ضمير القصة. و (مُسْتَقَرًّا) تمييز وفيها ضمير مبهم عائد على (مُسْتَقَرًّا) مفسر به وأنث لتأويل المستقر بجهنم أو مطابقة للمخصوص. ألا ترى إلى ذي الرمة كيف أنث الزورق على تأويل السفينة حيث كان المخصوص مؤنثا في قوله :
أو حرة عيطل ثبجاء مجفرة |
|
دعائم الزور نعمت زورق البلد |
قيل : ويجوز أن تكون (ساءَتْ) بمعنى أحزنت فهي فعل متصرف متعد وفاعله ضمير جهنم ومفعوله محذوف أي أحزنت أهلها وأصحابها و (مُسْتَقَرًّا) تمييز أو حال وهو مصدر بمعنى الفاعل أو اسم مكان وليس بذاك.
والظاهر أن (مُسْتَقَرًّا) ومقاما كقوله :
وألفى قولها كذبا ومينا
وحسنه كون المقام يستدعي التطويل أو كونه فاصلة ، وقيل : المستقر للعصاة والمقام للكفرة وإن في الموضعين للاعتناء بشأن الخبر. وقرأت فرقة «ومقاما» بفتح الميم أي مكان قيام (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا) أي لم يتجاوزوا حد الكرم (وَلَمْ يَقْتُرُوا) أي ولم يضيقوا تضييق الشحيح ، وقال أبو عبد الرحمن الجبلي : الإسراف هو الإنفاق في المعاصي والقتر الإمساك عن طاعة ، وروي نحو ذلك عن ابن عباس ومجاهد وابن زيد ، وقال عون بن عبد الله بن عتبة : الإسراف أن تنفق مال غيرك.
وقرأ الحسن وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وعاصم «يقتروا» بفتح الياء وضم التاء ومجاهد وابن كثير وأبو