ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد |
|
كلا طرفي قصد الأمور ذميم |
وقول حاتم :
إذا أنت قد أعطيت بطنك سؤله |
|
وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا |
وقول الآخر :
إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت |
|
ولم ينهها تاقت إلى كل باطل |
وساقت إليه الإثم والعار بالذي |
|
دعته إليه من حلاوة عاجل |
إلى غير ذلك (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أي لا يشركون به غيره سبحانه.
(وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) أي حرمها الله تعالى بمعنى حرم قتلها لأن التحريم إنما يتعلق بالأفعال دون الذوات فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه مبالغة في التحريم (إِلَّا بِالْحَقِ) متعلق بلا يقتلون والاستثناء مفرغ من أعم الأسباب أي لا يقتلونها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق المزيل لحرمتها وعصمتها كالزنا بعد الإحصان والكفر بعد الإيمان ، وجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي لا يقتلونها نوعا من القتل إلا قتلا ملتبسا بالحق وأن يكون حالا أي لا يقتلونها في حال من الأحوال إلا حال كونهم ملتبسين بالحق.
وقيل : يجوز أن يكون متعلقا بالقتل المحذوف والاستثناء أيضا من أعم الأسباب أي لا يقتلون النفس التي حرم الله تعالى قتلها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق. ويكون الاستثناء مفرغا في الإثبات لاستقامة المعنى بإرادة العموم أو لكون حرم نفيا معنى. ولا يخفى ما فيه من التكلف (وَلا يَزْنُونَ) ولا يطئون فرجا محرما عليهم ، والمراد من نفي هذه القبائح العظيمة التعريض بما كان عليه أعداؤهم من قريش وغيرهم وإلا فلا حاجة إليه بعد وصفهم بالصفات السابقة من حسن المعاملة وإحياء الليل بالصلاة ومزيد خوفهم من الله تعالى لظهور استدعائها نفي ما ذكر عنهم. ومنه يعلم حل ما قيل الظاهر عكس هذا الترتيب وتقديم التخلية على التحلية فكأنه قيل. والذين طهرهم الله تعالى وبرأهم سبحانه مما أنتم عليه من الإشراك وقتل النفس المحرمة كالموءودة والزنا.
وقيل : إن التصريح بنفي الإشراك مع ظهور إيمانهم لهذا أو لإظهار كمال الاعتناء والإخلاص وتهويل أمر القتل والزنا بنظمهما في سلكه ، وقد صح من رواية البخاري ومسلم والترمذي عن ابن مسعود قال : سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أي الذنب أكبر؟ قال : أن تجعل لله تعالى ندا وهو خلقك قلت : ثم أي؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت : ثم أي؟ قال : أن تزاني خليلة جارك فأنزل الله تعالى تصديق ذلك (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) الآية.
وأخرج الشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ناسا من أهل الشرك قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمدا صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) الآية ونزلت (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) [الزمر : ٥٣] الآية
. وقد ذكر الإمام الرازي أن ذكر هذا بعد ما تقدم لأن الموصوف بتلك الصفات قد يرتكب هذه الأمور تدينا فبين سبحانه أن المكلف لا يصير بتلك الخلال وحدها من عباد الرحمن حتى ينضاف إلى ذلك كونه مجانبا لهذه الكبائر وهو كما ترى ، وجوز أن يقال في وجه تقديم التحلية على التخلية كون الأوصاف المذكورة في التحلية أوفق بالعبودية التي جعلت عنوان الموضوع لظهور دلالتها على ترك الأنانية ومزيد الانقياد والخوف والاقتصاد في التصرف بما أذن