المولى بالتصرف فيه. ولا يأبى هذا قصد التعريض بما ذكر في التخلية. ويؤيد هذا القصد التعقيب بقوله عزوجل : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) أي ومن يفعل ما ذكر يلق في الآخرة عقابا لا يقادر قدره. وتفسير الأثام بالعقاب مروي عن قتادة وابن زيد ونقله أبو حيان عن أهل اللغة وأنشد قوله :
جزى الله ابن عروة حيث أمسى |
|
عقوقا والعقوق له جزاء |
أخرج ابن الأنباري عن ابن عباس أنه فسره لنافع بن الأزرق بالجزاء وأنشد قول عامر بن الطفيل :
وروينا الأسنة من صداه |
|
ولاقت حمير منا أثاما |
والفرق يسير : وقال أبو مسلم الأثام الإثم والكلام عليه على تقدير مضاف أي جزاء أثام أو هو مجاز من ذكر السبب وإرادة المسبب ، وقال الحسن : هو اسم من أسماء جهنم ، وقيل : اسم بئر فيها ، وقيل : اسم جبل.
وروى جماعة عن عبد الله بن عمر ومجاهد أنه واد في جهنم ، وقال مجاهد : فيه قيح ودم.
وأخرج ابن المبارك في الزهد عن شفى الأصبحي أن فيه حيات وعقارب في فقار إحداهن مقدار سبعين قلة من سم والعقرب منهن مثل البغلة الموكفة ، وعن عكرمة اسم لأودية في جهنم فيها الزناة. وقرئ «يلق» بضم الياء وفتح اللام والقاف مشددة ، وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء «يلقى» بألف كأنه نوى حذف الضمة المقدرة على الألف فأقرت الألف وقرأ أبو مسعود أيضا «أياما» جمع يوم يعني شدائد ، واستعمال الأيام بهذا المعنى شائع ومنه يوم ذو أيام وأيام العرب لوقائعهم ومقاتلتهم (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) بدل من «يلق» بدل كل من كل أو بدل اشتمال. وجاء الإبدال من المجزوم بالشرط في قوله :
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا |
|
تجد حطبا جزلا ونارا تأججا |
(وَيَخْلُدْ فِيهِ) أي في ذلك العذاب المضاعف (مُهاناً) ذليلا مستحقرا فيجتمع له العذاب الجسماني والروحاني وقرأ الحسن وأبو جعفر وابن كثير «يضعّف» بالياء والبناء للمفعول وطرح الألف والتضعيف.
وقرأ شيبة وطلحة بن سليمان وأبو جعفر أيضا «نضعّف» بالنون مضمومة وكسر العين مضعفة و «العذاب» بالنصب ، وطلحة بن مصرف «يضاعف» مبنيا للفاعل و «العذاب» بالنصب وقرأ طلحة بن سليمان «وتخلد» بتاء الخطاب على الالتفات المنبئ عن شدة الغضب مرفوعا وقرأ أبو حيوة «وتخلّد» مبنيا للمفعول مشدد اللام مجزوما. ورويت عن أبي عمرو وعنه كذلك مخففا وقرأ أبو بكر عن عاصم «يضاعف» و «يخلد» بالرفع فيهما ، وكذا ابن عامر ، والمفضل عن عاصم «يضاعف». و «يخلد» مبنيا للمفعول مرفوعا مخففا. والأعمش بضم الياء مبنيا للمفعول مشددا مرفوعا وقد عرفت وجه الجزم ، وأما الرفع فوجهه الاستئناف ، ويجوز جعل الجملة حالا من فاعل (يَلْقَ) ، والمعنى يلق أثاما مضاعفا له العذاب ، ومضاعفته مع قوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] وقوله سبحانه : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [الأنعام : ١٦٠] قيل لانضمام المعصية إلى الكفر ، ويدل عليه قوله تعالى (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) فإن استثناء المؤمن يدل على اعتبار الكفر في المستثنى منه. وأورد عليه أن تكرر لا النافية يفيد نفي كل من تلك الأفعال بمعنى لا يوقعون شيئا منها فيكون (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) بمعنى ومن يفعل شيئا من ذلك ليتحد مورد الإثبات والنفي فلا دلالة على الانضمام ، والمستثنى من جمع بين ما ذكر من الإيمان والتوبة والعمل الصالح فيكون المستثنى منه غير جامع لها ، فلعل الجواب أن المضاعفة بالنسبة إلى عذاب ما دون المذكورات.