وكذا وهو يقر لا ينكر وهو مشفق من الكبائر فيقال : أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة فيقول : إن لي ذنوبا لم أرها هنا قال : ولقد رأيت رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم ضحك حتى بدت نواجذه» ، ونحو هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ليأتين ناس يوم القيامة ودوا أنهم استكثروا من السيئات قيل : من هم؟ قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم الذين يبدل الله تعالى سيئاتهم حسنات» ويسمى هذا التبديل كرم العفو ، وكأنه لذلك قال أبو نواس :
تعض ندامة كفيك مما |
|
تركت مخافة الذنب السرورا |
ولعل المراد أنه تغفر سيئاته ويعطى بدل كل سيئة ما يصلح أن يكون ثواب حسنة تفضلا منه عزوجل وتكرما لا أنه يكتب له أفعال حسنات لم يفعلها ويثاب عليها. وفي كلام أبي العالية ما هو ظاهر في إنكار تمني الاستكثار من السيئات ، فقد أخرج عبد بن حميد عنه أنه قيل له : إن أناسا يزعمون أنهم يتمنون أن يستكثروا من الذنوب فقال : ولم ذلك؟ فقيل : يتأولون هذه الآية (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) وكان أبو العالية إذا أخبر بما لا يعلم قال : آمنت بما أنزل الله تعالى من كتابه فقال ذلك ثم تلا هذه الآية (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) [آل عمران : ٣٠] وكأنه ظن أن ما تلاه مناف لما زعموه من التمني ، ويمكن أن يقال : إن ما دلت عليه تلك الآية يكون قبل الوقوف على التبديل والله تعالى أعلم.
(وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله (وَمَنْ تابَ) أي عن المعاصي التي فعلها بتركها بالكلية والندم عليها (وَعَمِلَ صالِحاً) يتلافى به ما فرط منه او ومن خرج عن جنس المعاصي وإن لم يفعله ودخل في الطاعات (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ) أي يرجع إليه سبحانه بذلك (مَتاباً) أي رجوعا عظيم الشأن مرضيا عنده تعالى ماحيا للعقاب محصلا للثواب أو فإنه يتوب إلى الله تعالى ذي اللطف الواسع الذي يحب التائبين ويصطنع إليهم أو فإنه يرجع إلى الله تعالى أو إلى ثوابه سبحانه مرجعا حسنا ، وأيا ما كان فالشرط والجزاء متغايران ، وهذا لبيان حال من تاب من جميع المعاصي وما تقدم لبيان من تاب من أمهاتها فهو تعميم بعد تخصيص (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) أي لا يقيمون الشهادة الكاذبة كما روي عن علي كرّم الله تعالى وجهه. والباقر رضي الله تعالى عنه فهو من الشهادة ، و (الزُّورَ) منصوب على المصدر أو بنزع الخافض أي شهادة الزور أو بالزور ؛ ويفهم من كلام قتادة أن الشهادة هنا بمعنى يعم ما هو المعروف منها ، أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أنه قال : أي لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم ولا يؤملونهم فيه.
وأخرج جماعة عن مجاهد أن المراد بالزور الغناء ، وروي نحوه عن محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه ، وضم الحسن إليه النياحة ، وعن قتادة أنه الكذب ، وعن عكرمة أنه لعب كان في الجاهلية ، وعن ابن عباس أنه صنم (١) كانوا يلعبون حوله سبعة أيام ، وفي رواية أخرى عنه أنه عيد المشركين وروي ذلك عن الضحاك ، وعن هذا أنه الشرك فيشهدون على هذه الأقوال من الشهود بمعنى الحضور ، و (الزُّورَ) مفعول به بتقدير مضاف أي محال الزور ؛ وجوز أن يراد بالزور ما يعم كل شيء باطل مائل عن جهة الحق من الشرك والكذب والغناء والنياحة ونحوها فكأنه قيل : لا يشهدون مجالس الباطل لما في ذلك من الإشعار بالرضا به ، وأيضا من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه (وَإِذا
__________________
(١) قال الراغب وسمي الصنم زورا في قوله : جاءوا بزوريهم وجئنا بالأصم لكون ذلك كذبا وميلا عن الحق وظاهره أنه مطلق الصنم فتأمل ا ه منه.