المنازل وكل بناء مرتفع عال ، وقد فسرت هنا على ما روي عن ابن عباس ببيوت من زبرجد ودر وياقوت.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن سهل بن سعد عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه : «قال فيها بيوت من ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء أو درة بيضاء ليس فيها فصم ولا وصم» ، وقيل : أعلى منازل الجنة ، ولا يأباه الخبر لجواز أن تكون الغرف الموصوفة فيه هناك ، وروي عن الضحاك أنها الجنة ، وقيل : السماء السابعة ، وعلى تفسيرها بجمع ، ويؤيده قوله تعالى : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) [سبأ : ٣٧] وقرئ فيه في الغرفة يكون المراد بها الجنس وهو يطلق على الجمع كما سمعت آنفا ، وإيثار الجمع هنالك على ما قال الطيبي لأنها رتبت على الإيمان والعمل الصالح ولا خفاء في تفاوت الناس فيهما وعلى ذلك تتفاوت الأجزية ، وهاهنا رتب على مجموع الأوصاف الكاملة فلذا جيء بالواحد دلالة على أن الغرف لا تفاوت (بِما صَبَرُوا) أي بسبب صبرهم على أن الباء للسببية وما مصدرية ، وقيل : هي للبدل كما في قوله :
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا |
|
شنوا الإغارة فرسانا وركبانا |
أي بدل صبرهم ولم يذكر متعلق الصبر ليعم ما سلف من عبادتهم فعلا وتركا وغيره من أنواع العبادة والكل مدمج فيه فإنه إما عن المعاصي وإما على الطاعات وإما على الله تبارك وتعالى وهو أعلى منهما ويعلم من ذلك وجه إيثار (صَبَرُوا) على فعلوا (وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) أي تحييهم الملائكة عليهمالسلام ويدعون لهم بطول الحياة والسلامة عن الآفات أو يحيي بعضهم بعضا ويدعو له بذلك ، والمراد من الدعاء به التكريم وإلقاء السرور والمؤانسة وإلا فهو متحقق لهم ويعطون التبقية والتخليد مع السلامة من كل آفة فليس هناك دعاء أصلا.
وقرأ طلحة ومحمد اليماني وأهل الكوفة غير حفص «يلقون» بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف (خالِدِينَ فِيها) لا يموتون ولا يخرجون ، وهو حال من ضمير (يُجْزَوْنَ) أو من ضمير (يُلَقَّوْنَ).
(حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) مقابل «ساءت مستقرا» معنى ومثله إعرابا فتذكر ولا تغفل (قُلْ) أمر لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلّم بأن يبين للناس أن الفائزين بتلك النعماء الجليلة التي يتنافس فيها المتنافسون إنما نالوها بما عدد من محاسنهم ولولاها لم يعتد بهم أصلا أي قل للناس مشافها لهم بما صدر عن جنسهم من خير وشر (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي) أي أي عبء يعبأ بكم وأي اعتداد يعتد بكم (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) أي عبادتكم له عزوجل حسبما مر تفصيله ، فإن ما خلق له الإنسان معرفة الله تعالى وطاعته جل وعلا وإلا فهو والبهائم سواء فما متضمنة لمعنى الاستفهام وهي في محل النصب وهي عبارة عن المصدر ، وأصل العبء الثقل وحقيقة قولهم : ما عبأت به ما اعتددت له من فوادح همي ومما يكون عبئا عليّ كما تقول : ما اكترثت له أي ما أعددت له من كوارثي ومما يهمني.
وقال الزجاج : معناه أي وزن يكون لكم عنده تعالى لو لا عبادتكم ، ويجوز أن تكون ما نافية أي ليس يعبأ ، وأيا ما كان فجواب لو لا محذوف لدلالة ما قبله عليه أي لو لا دعاؤكم لما اعتد بكم ، وهذا بيان لحال المؤمنين من المخاطبين.
وقوله سبحانه : (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) بيان لحال الكفرة منهم ، والمعنى إذا أعلمتكم أن حكمي أني لا أعتد بعبادي إلا لعبادتهم فقد خالفتم حكمي ولم تعملوا عمل أولئك المذكورين ، فالفاء مثلها في قوله : فقد جئنا خراسانا والتكذيب مستعار للمخالفة ، وقيل : المراد فقد قصرتم في العبادة على أنه من قولهم : كذب القتال إذا لم يبالغ فيه ، والأول أولى وإن قيل : إن المراد من التقصير في العبادة تركها. وقرأ عبد الله وابن عباس وابن الزبير «فقد كذب الكافرون» وهو على