عليه وسلم حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما فجاء وأسلم ، وقيل : متوسط في الكفر لانزجاره بما شاهده بعض الانزجار.
وقيل : متوسط في الإخلاص الذي كان عليه في البحر فإن الإخلاص الحادث عند الخوف قلما يبقى لأحد عند زوال الخوف. وأيا ما كان فالظاهر أن المقابل لقسم المقتصد محذوف دل عليه قوله تعالى :
(وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ) والآية دليل ابن مالك ومن وافقه على جواز دخول الفاء في جواب لما ومن لم يجوز قال : الجواب محذوف أي فلما نجاهم إلى البر انقسموا قسمين فمنهم مقتصد ومنهم جاهد ، والختار من الختر وهو أشد الغدر ومنه قولهم : إنك لا تمد لنا شبرا من غدر إلّا مددنا لك باعا من غدر ، وبنحو ذلك فسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لابن الأزرق وأنشد قول الشاعر :
لقد علمت واستيقنت ذات نفسها |
|
بأن لا تخاف الدهر صرمي ولا ختري |
ونحوه قول عمرو بن معد يكرب :
وإنك لو رأيت أبا عمير |
|
ملأت يديك من غدر وختر |
وفي مفردات الراغب الختر غدر يختر فيه الإنسان أي يضعف ويكسر لاجتهاده فيه أي وما يجحد بآياتنا ويكفر بها إلّا كل غدار أشد الغدر لأن كفره نقض للعهد الفطري ، وقيل : لأنه نقض لما عاهد الله تعالى عليه في البحر من الإخلاص له عزوجل (كَفُورٍ) مبالغ في كفران نعم الله تعالى ، و (خَتَّارٍ) مقابل لصبار لأن من غدر لم يصبر على العهد وكفور مقابل لشكور (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) أمر بالتقوى على سبيل الموعظة والتذكير بيوم عظيم بعد ذكر دلائل الوحدانية ، ويجزى من جزى بمعنى قضى ومنه قيل للمتقاضي المتجازي أن لا يقضي والد عن ولده شيئا.
وقرأ أبو السمال ، وعامر بن عبد الله ، وأبو السوار «لا يجزئ» بضم الياء وكسر الزاي مهموزا ومعناه لا يغني والد عن ولده ولا يفيده شيئا من أجزأت عنك مجزأ فلان أي أغنيت.
وقرأ عكرمة «يجزي» بضم الياء وفتح الزاي مبنيا للمفعول والجملة على القراءات صفة يوما والراجع إلى الموصوف محذوف أي فيه فأما أن يحذف برمته وأما على التدريج بأن يحذف حرف الجر فيعدى الفعل إلى الضمير ثم يحذف منصوبا ، وقوله تعالى : (وَلا مَوْلُودٌ) أما عطف على (والِدٌ) فهو فاعل (يَجْزِي) وقوله تعالى : (هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) في موضع الصفة له والمنفي عنه هو الجزاء في الآخرة والمثبت له الجزاء في الدنيا أو معنى هو جاز أي من شأنه الجزاء لعظيم حق الوالد أو المراد بلا يجزي لا يقبل ما هو جاز به ، وأما مبتدأ والمسوغ للابتداء به مع أنه نكرة تقدم النفي ، وذهل المهدوي عن ذلك فمنع صحة كونه مبتدأ وجملة (هُوَ جازٍ) خبره و (شَيْئاً) مفعول به أو منصوب على المصدرية لأنه صفة مصدر محذوف وعلى الوجهين قيل تنازعه (يَجْزِي) و (جازٍ) واختيار ما لا يفيد التأكيد في الجملة الأولى وما يفيده في الجملة الثانية لأن أكثر المسلمين وأجلتهم حين الخطاب كان آباؤهم قد ماتوا على الكفر وعلى الدين الجاهلي فلما كان غناء الكافر عن المسلم بعيدا لم يحتج نفيه إلى التأكيد ، ولما كان غناء المسلم عن الكافر مما يقع في الأوهام أكد نفيه قاله الزمخشري.
وتعقبه ابن المنير بأنه يتوقف صحته على أن هذا الخطاب كان خاصا بالموجودين حينئذ والصحيح أنه عام لهم