إليه بقوله سبحانه : (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) فكأنه قال عزوجل : يا أيها السائل إنك لا تعلم وقتها ولكنها كائنة والله تعالى قادر عليها كما هو سبحانه قادر على إحياء الأرض وعلى الخلق في الأرحام ثم بعد جلّ شأنه له أن يعلم ذلك بقوله عزوجل وما تدري إلخ فكأنه قال تعالى : يا أيها السائل إنك تسأل عن الساعة أيان مرساها وإن من الأشياء ما هو أهم منها لا تعلم معاشك ومعادك فما تعلم ما ذا تكسب غدا مع أنه فعلك وزمانك ولا تعلم أين تموت مع أنه شغلك ومكانك فكيف تعلم قيام الساعة متى يكون والله تعالى ما علمك كسب غدك ولا علمك أين تموت مع أن لك في ذلك فوائد شتى وإنما لم يعلمك لكي تكون في كل وقت بسبب الرزق راجعا متوكلا عليه سبحانه ولكيلا تأمن الموت إذا كنت في غير الأرض التي أعلمك سبحانه أنك تموت فيها فإذا لم يعلمك ما تحتاج إليه كيف يعلمك ما لا حاجة لك إليه وهو وقت القيامة وإنما الحاجة إلى العلم بأنها تكون وقد أعلمك جلّ وعلا بذلك على ألسنة أنبيائه تعالى عليهم الصلاة والسلام انتهى ، ولا يخفى أن الظاهر على ما ذكره أن يقال : وبخلق ما في الأرحام كما قال سبحانه : (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) ووجه العدول عن ذلك إلى ما في النظم الجليل غير ظاهر على أن كلامه بعد لا يخلو عن شيء ، وكون المراد اختصاص علم هذه الخمس به عزوجل هو الذي تدل عليه الأحاديث والآثار ، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة من حديث طويل «أنه صلى الله تعالى عليه وسلم سئل متى الساعة؟ فقال للسائل : ما المسئول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن أشراطها إذا ولدت الأمة ربها وإذا تطاول رعاة الإبل إليهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى ثم تلا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) الآية» أي إلى آخر السورة كما في بعض الروايات ، وما وقع عند البخاري في التفسير من قوله : إلى الأرحام تقصير من بعض الرواة ، وأخرجها أيضا هما وغيرهما عن ابن قال : عمر قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : «مفتاح ـ وفي رواية مفاتح ـ الغيب خمس لا يعلمها إلا الله تعالى لا يعلم أحد ما يكون في غد ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام ولا تعلم نفس ما ذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت وما يدري أحد متى يجيء المطر».
وأخرج أحمد ، والبزار ، وابن مردويه ، والروياني ، والضياء بسند صحيح عن بريدة قال «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : خمس لا يعلمهن إلّا الله إن الله عنده علم الساعة الآية» وظاهر هذه الأخبار يقتضي أن ما عدا هذه الخمس من المغيبات قد يعلمه غيره عزوجل وإليه ذهب من ذهب. أخرج حميد بن زنجويه عن بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنه ذكر العلم بوقت الكسوف قبل الظهور فأنكر عليه فقال : إنما الغيب خمس وتلا هذه الآية وما عدا ذلك غيب يعلمه قوم ويجهله قوم ، وفي بعض الأخبار ما يدل على أن علم هذه الخمس لم يؤت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويلزمه أنه لم يؤت لغيره عليه الصلاة والسلام من باب أولى.
أخرج أحمد ، والطبراني ، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أوتيت مفاتيح كل شيء إلّا الخمس (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)» الآية وأخرج أحمد ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه عن ابن مسعود قال : أوتي نبيكم صلىاللهعليهوسلم مفاتيح كل شيء غير الخمس (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) الآية.
وأخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه قال : لم يغم على نبيكم صلىاللهعليهوسلم إلّا الخمس من سرائر الغيب هذه الآية في آخر لقمان إن الله عنده علم الساعة إلى آخر السورة ، وأخرج سعيد بن منصور ، وأحمد ، والبخاري في الأدب عن ربعي بن حراش قال : حدثني رجل من بني عامر أنه قال : يا رسول الله هل بقي من العلم شيء لا تعلمه؟ فقال عليه الصلاة والسلام : لقد علمني الله تعالى خيرا وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله تعالى الخمس إن الله عنده علم الساعة الآية ، وصرح بعضهم باستئثار الله تعالى بهن ، أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة أنه قال في الآية : خمس