نبي تجافى جنبه عن فراشه |
|
إذا استثقلت بالمشركين المضاجع |
والمشهور أن المراد بذلك التجافي القيام لصلاة النوافل بالليل وهو قول الحسن ، ومجاهد ، ومالك ، والأوزاعي ، وغيرهم. وفي الأخبار الصحيحة ما يشهد له ، أخرج أحمد ، والترمذي ، وصححه ، والنسائي ، وابن ماجة ، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان عن معاذ بن جبل قال : «كنت مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت : يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟ قال : لقد سألت عن عظيم وإنه يسير على من يسره الله تعالى عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة وصلاة الرجل في جوف الليل ثم قرأ (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) حتى بلغ يعملون الحديث.
وقال أبو الدرداء ، وقتادة ، والضحاك هو أن يصلي الرجل العشاء والصبح في جماعة ، وعن الحسن ، وعطاء هو أن لا ينام الرجل حتى يصلي العشاء ، أخرج الترمذي وصححه ، وابن جرير ، وغيرهما عن أنس قال : إن هذه الآية (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) زلت في انتظار الصلاة التي تدعي العتمة ، وفي رواية أخرى عنه أنه قال فيها نزلت فينا معاشر الأنصار كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وقيل : هو أن يصلي الرجل المغرب ويصلي بعدها إلى العشاء ، فقد أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن عدي ، وابن مردويه عن مالك بن دينار قال : سألت أنس بن مالك عن هذه الآية (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) قال : كان قوم من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من المهاجرين الأولين يصلون المغرب ويصلون بعدها إلى عشاء الآخرة فنزلت هذه الآية فيهم ، وقال قتادة ، وعكرمة : هو أن يصلي الرجل ما بين المغرب والعشاء ؛ واستدل له بما أخرجه محمد بن نصر عن عبد الله بن عيسى قال : كان ناس من الأنصار يصلون ما بين المغرب والعشاء فنزلت فيهم (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ).
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية : تتجافى جنوبهم لذكر الله تعالى كلما استيقظوا ذكروا الله عزوجل إما في الصلاة وإما في قيام أو قعود أو على جنوبهم لا يزالون يذكرون الله تعالى ، وروى نحوه هو ومحمد بن نصر عن الضحاك ، والجمهور عولوا على ما هو المشهور ، وفي فضل التهجد ما لا يحصى من الأخبار وأفضله على ما نص عليه غير واحد ما كان في الأسحار.
(يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) حال من ضمير (جُنُوبُهُمْ) وقد أضيف إليه ما هو جزء ، وجوز على احتمال كون جملة (تَتَجافى) إلخ حالية أن تكون حالا ثانية مما جعلت تلك حالا منه وعلى احتمال كونها خبرا ثانيا للمبتدإ أن تكون خبرا ثالثا ، وجوز كونها مستأنفة ، والظاهر أن المراد بدعائهم ربهم سبحانه المعنى المتبادر ، وقيل : المراد به الصلاة (خَوْفاً) أي خائفين من سخطه تعالى وعذابه عزوجل وعدم قبول عبادتهم (وَطَمَعاً) في رحمته تبارك وتعالى فالمصدران حالان من ضمير (يَدْعُونَ) وجوز أن يكونا مصدرين لمقدر أي يخافون خوفا ويطمعون طمعا وتكون الجملة حينئذ حالا ، وأن يكونا مفعولا له ولا يخفى أن الآية على الحالية أمدح.
(وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) إياه من المال (يُنْفِقُونَ) في وجوه الخير (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ) أي كل نفس من النفوس لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فضلا عمن عداهم فإن النكرة في سياق النفي تعم. والفاء سببية أو فصيحة أي أعطوا فوق