رجاءهم فلا تعلم نفس (ما أُخْفِيَ لَهُمْ) أي لأولئك الذين عددت نعوتهم الجليلة (مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) أي ما تقر به أعين ، وفي إضافة القرة إلى الأعين على الإطلاق لا إلى أعينهم تنبيه على أن ما أخفي لهم في غاية الحسن والكمال.
وروى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقول الله تعالى : «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما أطلعتكم عليه اقرءوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين» وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : إنه لمكتوب في التوراة «لقد أعد الله تعالى للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر» ولا يعلم ملك مقرب ولا نبي مرسل وأنه لفي القرآن فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي جوزوا جزاء بسبب ما كانوا يعملونه من الأعمال الصالحة فجزاء مفعول مطلق لفعل مقدر والجملة مستأنفة.
وجوز جعلها حالية ، وقيل : يجوز جعله مصدرا مؤكدا لمضمون الجملة المتقدمة ، وقيل : يجوز أن يكون مفعولا له لقوله تعالى : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ) على معنى منعت العلم للجزاء أو لأخفى فإن إخفاءه لعلو شأنه ، وعن الحسن أنه قال : أخفى القوم أعمالا في الدنيا فأخفى الله تعالى لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت أي أخفى ذلك ليكون الجزاء من جنس العمل.
وفي الكشف أن هذا يدل على أن الفاء في قوله تعالى : (فَلا تَعْلَمُ) رابطة للأحق بالسابق وأصله فلا يعلمون والعدول لتعظيم الجزاء ، وعدم ذكر الفاعل في (أُخْفِيَ) ترشيح له لأن جازيه من هو العظيم وحده فلا يذهب وهل إلى غيره سبحانه اه فتأمل.
وقرأ حمزة ، ويعقوب ، والأعمش «أخفي» بسكون الياء فعلا مضارعا للمتكلم ، وابن مسعود «نخفي» بنون العظمة ، والأعمش أيضا «أخفيت» بالإسناد إلى ضمير المتكلم وحده ، ومحمد بن كعب (أُخْفِيَ) فعلا ماضيا مبنيا للفاعل.
و (ما) في جميع ذلك اسم موصول مفعول (تَعْلَمُ) والعلم بمعنى المعرفة والعائد الضمير المستتر النائب عن الفاعل على قراءة الجمهور وضميره محذوف على غيرها ، وقال أبو البقاء : يجوز أن تكون (ما) استفهامية وموضعها رفع بالابتداء و (أُخْفِيَ لَهُمْ) خبره على قراءة من فتح الياء وعلى قراءة من سكنها وجعل (أُخْفِيَ) مضارعا يكون (ما) في موضع نصب بأخفى ويعلم منه حالها على سائر القراءات ، وإذا كانت استفهامية يجوز أن يكون العلم بمعنى المعرفة وأن يكون على ظاهره فيتعدى لمفعولين تسد الجملة الاستفهامية مسدهما ، وعلى كل من احتمالي الموصولية والاستفهامية فالإيهام للتعظيم ، وقرأ عبد الله ، وأبو الدرداء ، وأبو هريرة وعون ، والعقيلي «من قرأت» على الجمع بالألف والتاء ، وهي رواية عن أبي عمرو ، وأبي جعفر ، والأعمش ، وجمع المصدر أو اسمه لاختلاف أنواع القرة ، والجار والمجرور في موضع الحال.
(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) أي أبعد ظهور ما بينهما من التباين البين يتوهم كون المؤمن الذي حكيت أوصافه الفاضلة كالفاسق الذي ذكرت أحواله القبيحة العاطلة ، وأصل الفسق الخروج من فسقت الثمرة إذا خرجت من قشرها ثم استعمل في الخروج عن الطاعة وأحكام الشرع مطلقا فهو أعم من الكفر وقد يخص به كما في قوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [النور : ٥٥] وكما هنا لمقابلته بالمؤمن مع ما ستسمعه بعد إن شاء الله تعالى : (لا يَسْتَوُونَ) التصريح به مع إفادة الإنكار لنفي المشابهة بالمرة على أبلغ وجه وآكده لزيادة