القول داخل أيضا في حيز الأخبار لعطفه على (أُعِيدُوا) الواقع جوابا لكلما فكما جاز الإضمار في المعطوف عليه جاز فيه أيضا إن لم يقصد زيادة التهديد والتخويف.
ورد بأن المانع أنه حكاية لما يقال لهم يوم القيامة والأصل في الحكاية أن تكون على وفق المحكي عنه دون تغيير ولا إضمار في المحكي لعدم تقدم ذكر النار فيه. وتعقب بأنه قد يناقش فيه بأن مراده أنه يجوز رعاية المحكي والحكاية وكما أن الأصل رعاية المحكي الأصل الإضمار إذا تقدم الذكر فلا بد من مرجح.
وقال بعض المحققين : أراد ابن الحاجب أن الإظهار هو المناسب في هذه الجملة نظرا إلى ذاتها ونظرا إلى سياقها أما الأول فلأنها تقال من غير تقدم ذكر النار ، وأما الثاني فلأن سياق الآية للتهديد والتخويف وتعظيم الأمر وفي الإظهار من ذلك ما ليس في الإضمار ، وهذا بعيد من أن يرد عليه نظر الطيبي ، والإنصاف أن كلا من الإضمار والإظهار جائز وأنه رجح الإظهار اقتضاء السياق لذلك ونقل عن الراغب ما يدل على أن المقام في هذه الآية مقام الضمير حيث ذكر عنه أنه قال في درة التنزيل : إنه تعالى قال هاهنا (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) وقال سبحانه في آية أخرى : (عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) [سبأ : ٤٢] فذكر جل وعلا هاهنا وأنث سبحانه هناك والسر في ذلك أن النار هاهنا وقعت موقع الضمير والضمير لا يوصف فأجرى الوصف على العذاب المضاف إليها وهو مذكر وفي تلك الآية لم يجر ذكر النار في سياقها فلم تقع النار موقع الضمير فأجرى الوصف عليها وهي مؤنثة دون العذاب فتأمل (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) أي الأقرب ، وقيل : الأقل وهو عذاب الدنيا فإنه أقرب من عذاب الآخرة وأقل منه ، واختلف في المراد به فروى النسائي وجماعة وصححه الحاكم عن ابن مسعود أنه سنون أصابتهم وروي ذلك عن النخعي ، ومقاتل ، وروى الطبراني وآخرون وصححه والحاكم عن ابن مسعود أيضا أنه ما أصابهم يوم بدر. وروي نحوه عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما بلفظ هو القتل بالسيف نحو يوم بدر ، وعن مجاهد القتل والجوع.
وأخرج مسلم ، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، وأبو عوانة في صحيحه ، وغيرهم عن أبي بن كعب أنه قال : هو مصائب الدنيا والروم والبطشة والدخان ، وفي لفظ مسلم أو الدخان.
وأخرج ابن المنذر ، وابن جرير ، عن ابن عباس أنه قال : هو مصائب الدنيا وأسقامها وبلاياها ، وفي رواية عنه وعن الضحاك وابن زيد بلفظ مصائب الدنيا في الأنفس والأموال ، وفي معناه ما أخرج ابن مردويه عن أبي إدريس الخولاني قال : سألت عبادة بن الصامت عن قوله تعالى : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ) الآية فقال : سألت رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم عنها فقال عليه الصلاة والسلام : هي المصائب والأسقام والآصار عذاب للمسرف في الدنيا دون عذاب الآخرة قلت : يا رسول الله فما هي لنا؟ قال : زكاة وطهور ، وفي رواية عن ابن عباس أنه الحدود. وأخرج هنا عن أبي عبيدة أنه فسره بعذاب القبر ، وحكي عن مجاهد أيضا (دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) هو عذاب يوم القيامة كما روي عن ابن مسعود ، وغيره ، وقال : ابن عطية لا خلاف في أنه ذلك ، وفي التحرير إن أكثرهم على أن العذاب الأكبر عذاب يوم القيامة في النار ، وقيل : هو القتل والسبي والأسر ، وعن جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما أنه خروج المهدي بالسيف انتهى. وعليهما يفسر العذاب الأدنى بالسنين أو الأسقام أو نحو ذلك مما يكون أدنى مما ذكر ، وعن بعض أهل البيت تفسيره بالدابة والدجال ، والمعول عليه ما عليه الأكثر.
وإنما لم يقل الأصغر في مقابلة (الْأَكْبَرِ) أو إلّا بعد في مقابلة (الْأَدْنى) لأن المقصود هو التخويف والتهديد وذلك إنما يحصل بالقرب لا بالصغر وبالكبر لا بالبعد ، قاله النيسابوري ملخصا له من كلام الإمام ، وكذا