أوجب أبو حيان إلّا أنه قال : إن الأدنى يتضمن الأصغر لأنه منقض بموت المعذب والأكبر يتضمن الأبعد لأنه واقع في الآخرة فحصلت المقابلة من حيث التضمن وصرح بما هو آكد في التخويف (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي لعل من بقي منهم يتوب قاله ابن مسعود ، وقال الزمخشري : أو لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه كقوله تعالى : (فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً) [السجدة : ١٢] وسميت إرادة الرجوع رجوعا كما سميت إرادة القيام قياما في قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [المائدة : ٦] ويدل عليه قراءة من قرأ «يرجعون» على البناء للمفعول انتهى.
وهو على ما حكي عن مجاهد وروي عن أبي عبيدة فيتعلق (لَعَلَّهُمْ) إلخ بقوله تعالى : و (لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) كما في الأول إلا أن الرجوع هنالك التوبة وهاهنا الرجوع الى الدنيا ويكون من باب (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] أو يكون الترجي راجعا إليهم ، ووجه دلالة القراءة المذكورة عليه أنه لا يصح الحمل فيها على التوبة ، والظاهر التفسير المأثور ، والقراءة لا تأباه لجواز أن يكون المعنى عليهم لعلهم يرجعهم ذلك العذاب عن الكفر إلى الإيمان ، و(لعل) لترجي المخاطبين كما فسرها بذلك سيبويه ، وعن ابن عباس تفسيرها هنا بكى وكأن المراد كي نعرضهم بذلك للتوبة ، وجعلها الزمخشري لترجيه سبحانه ولاستحالة حقيقة ذلك منه عزوجل حمله على إرادته تعالى ، وأورد على ذلك سؤالا أجاب عنه على مذهبه في الاعتزال فلا تلتفت إليه ، هذا والآيات من قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً) إلى هنا نزلت في علي كرم الله وجهه ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه لأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ، أخرج أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني ، والواحدي ، وابن عدي ، وابن مردويه ، والخطيب ، وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : قال الوليد بن عقبة لعلي كرم الله تعالى وجهه أنا أحد منك سنانا وأبسط منك لسانا وأملأ للكتيبة منك فقال علي رضي الله تعالى عنه : اسكت فإنما أنت فاسق فنزلت (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً) إلخ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي نحو ذلك ، وأخرج هذا أيضا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه ، والوليد بن عقبة ولم يذكر ما جرى. وفي رواية أخرى عنه أنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه ، ورجل من قريش ولم يسمه ، وفي الكشاف روي في نزولها أنه شجر بين علي رضي الله تعالى عنه ، والوليد بن عقبة يوم بدر كلام فقال له الوليد : اسكت فإنك صبي أنا أشب منك شبابا وأجلد منك جلدا وأدرب منك لسانا وأحد منك سنانا وأشجع منك جنانا وأملأ منك حشوا في الكتيبة فقال له علي كرم الله تعالى وجهه : اسكت فإنك فاسق فنزلت ، ولم نره بهذا اللفظ مسندا ، وقال الخفاجي : قال ابن حجر إنه غلط فاحش فإن الوليد لم يكن يوم بدر رجلا بل كان طفلا لا يتصور منه حضور بدر وصدور ما ذكر.
ونقل الجلال السيوطي عن الشيخ ولي الدين هو غير مستقيم فإن الوليد يصغر عن ذلك وأقول : بعض الأخبار تقتضي أنه لم يكن مولودا يوم بدر أو كان صغيرا جدا ، أخرج أبو داود في السنن من طريق ثابت بن الحجاج عن أبي موسى عبد الله الهمداني عنه أنه قال : لما افتتح رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح على رءوسهم فأتي بي إليه عليه الصلاة والسلام وأنا مخلق فلم يمسني من أجل الخلوق إلّا أن ابن عبد البر قال : إن أبا موسى مجهول ، وأيضا ذكر الزبير ، وغيره من أهل العلم بالسير أن أم كلثوم بنت عقبة لما خرجت مهاجرة إلى النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم في الهدنة سنة سبع خرج أخواها الوليد وعمارة ليرداها ، وهو ظاهر في أنه لم يكن صبيا يوم الفتح إذ من يكون كذلك كيف يكون ممن خرج ليرد أخته قبل الفتح ، وبعض الأخبار تقتضي أنه كان رجلا يوم بدر ، فقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه الإصابة أنه قدم في فداء ابن عم أبيه الحارث بن