بمسكنه وتركه لها على نحو الإقطاع من بيت المال ، ومما يستأنس به لكون الإضافة إلى ضميرهن بهذا الاعتبار لا لكون البيوت ملكهن إضافة البيت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم في غير ما أثر ، بل سيأتي إن شاء الله تعالى إضافة البيوت إليه عليه الصلاة والسلام وذلك في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) [الأحزاب : ٥٣] الآية وهي أحق بأن تكون للملك فليراجع هذا المطلب وليتأمل (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) التبرج على ما روي عن مجاهد وقتادة وابن أبي نجيح المشي بتبختر وتكسر وتغنج ، وعن مقاتل أن تلقي المرأة خمارها على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها ، وقال المبرد : أن تبدي من محاسنها ما يجب عليها ستره ، قال الليث : ويقال تبرجت المرأة إذا أبدت محاسنها من وجهها وجسدها ويرى مع ذلك من عينها حسن نظر ، وقال أبو عبيدة : أن تخرج من محاسنها ما تستدعي به شهوة للرجال ، وأصله على ما في البحر من البرج وهو سعة العين وحسنها ، ويقال طعنة برجاء أي واسعة وفي أسنانه برج إذا تفرق ما بينها وقيل : هو البرج بمعنى القصر ، ومعنى تبرجت المرأة ظهرت من برجها أي قصرها ، وجعل الراغب إطلاق البرج على سعة العين وحسنها للتشبيه بالبرج في الأمرين ، ولا يخفى أنه لو فسر التبرج هنا بالظهور من البرج تكون هذه الجملة كالتأكيد لما قبلها فالأولى أن لا يفسر به ، وتبرج مصدر تشبيهي مثل له صوت صوت حمار أي لا تبرجن مثل تبرج الجاهلية الأولى ، وقيل في الكلام إضمار مضافين أي تبرج نساء أيام الجاهلية ، وإضافة نساء على معنى في والمراد بالجاهلية الأولى على ما أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس الجاهلية ما بين نوح وإدريس عليهماالسلام وكانت ألف سنة ، قال : وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبال ، وكان رجال الجبال صباحا وفي النساء دمامة ، وكان نساء السهل ورجاله على العكس فاتخذ أهل السهل عيدا يجتمعون إليه في السنة ، فتبرج النساء للرجال والرجال لهن ، وأن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهن فنزلوا معهن فظهرت الفاحشة فيهن ، وفي رواية أن المرأة إذ ذاك تجتمع بين زوج وعشيق.
وأخرج ابن جرير عن الحكم بن عيينة قال : كان بين آدم ونوح عليهماالسلام ثمانمائة سنة فكان نساؤهم من أقبح ما يكون من النساء ورجالهم حسان وكانت المرأة تراود الرجل عن نفسه وهي الجاهلية الأولى. وروي مثله عن عكرمة ، وقال الكلبي هي ما بين نوح وإبراهيم عليهماالسلام ، وقال مقاتل : كانت زمن نمروذ وكان فيه بغايا يلبسن أرق الدروع ويمشين في الطرق ، وروي عنه أيضا أن الجاهلية الأولى زمن إبراهيم عليهالسلام والثانية زمن محمد صلىاللهعليهوسلم قبل أن يبعث ، وقال أبو العالية : كانت الأولى زمن داود وسليمان عليهماالسلام وكان للمرأة قميص من الدر غير مخيط الجانبين يظهر منه الأعكان والسوأتان.
وقال المبرد : كانت المرأة تجمع بين زوجها وخدنها للزوج نصفها الأسفل وللخدن نصفها الأعلى يتمتع به في التقبيل والترشف ، وقيل : ما بين موسى وعيسى عليهماالسلام ، وقال الشعبي : ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام قال الزجاج : وهو الأشبه لأنهم هم الجاهلية المعروفة كانوا يتخذون البغايا ، وإنما قيل (الْأُولى) لأنه يقال لكل متقدم ومتقدمة أول وأولى ، وتأويله أنهم تقدموا على أمة محمد صلىاللهعليهوسلم وروي عن ابن عباس ما هو نص في أن الأولى هنا مقابل الأخرى ، وقال الزمخشري : يجوز أن تكون الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام فكأن المعنى ولا تحدثن بالتبرج جاهلية في الإسلام تتشبهن بها بأهل جاهلية الكفر.