عظيم ، ومثله ابن عبد البرّ فقد قال في التمهيد : لا أدري ما هذا فقد ولد نوح عليهالسلام غير نبي ولو لم يلد النبي إلا نبيا لكان كل أحد نبيا لأنهم من نوح عليهالسلام ، وأنا أقول : لا يظن بالصحابي الهجوم على الأخبار عن مثل هذا الأمر بالظن ، فالظاهر أنه لم يخبر إلا عن توقيف من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإذا صح حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المرفوع ارتفع الخصام ، لكن الظاهر أن هذا الأمر في إبراهيم خاصة بأن يكون قد سبق في علم الله تعالى أنه لو عاش لجعله جل وعلا نبيا لا لكونه ابن النبي صلىاللهعليهوسلم بل لأمر هو جل شأنه به أعلم و (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] وحينئذ يرد على الشرطية السابقة أعني قوله لأنه : لو بلغ لكان منصبه أن يكون نبيا منع ظاهر ، والدليل الذي سيق فيما سبق لا يثبتها لما أن ظاهره الخصوص فيجوز أن يبلغ ولد ذكر له عليه الصلاة والسلام غير إبراهيم ولا يكون نبيا لعدم أهليته للنبوة في علم الله تعالى لو عاش.
وقول بعض الأفاضل : ليس مبنى تلك الشرطية على اللزوم العقلي والقياس المنطقي بل على مقتضى الحكمة الإلهية وهي أن الله سبحانه أكرم بعض الرسل عليهمالسلام بجعل أولادهم أنبياء كالخليل عليهالسلام ونبينا صلىاللهعليهوسلم أكرمهم عليه وأفضلهم عنده فلو عاش أولاده اقتضى تشريف الله تعالى له وأفضليته عنده ذلك ليس بشيء لأنا نقول : لا يلزم من إكرام الله تعالى بعض رسله عليهمالسلام بنبوة الأولاد وكون نبينا صلىاللهعليهوسلم أكرمهم وأفضلهم اقتضاء التشريف والأفضلية نبوة أولاده لو عاشوا وبلغوا ليقال إن حكمة كونه عليه الصلاة والسّلام خاتم النبيين لكونها أجل وأعظم منعت من أن يعيشوا فينبئوا ، ألا ترى أن الله تعالى أكرم بعض الرسل بجعل بعض أقاربهم في حياتهم وبعد مماتهم أنبياء معينين لهم ومؤيدين لشريعتهم غير مخالفين لها في أصل أو فرع كموسى عليهالسلام ونبينا عليه الصلاة والسّلام أكرمهم وأفضلهم ولم يجعل له ذلك.
فإن قيل : إنه عوض صلىاللهعليهوسلم عنه بأن جعل جل شأنه له من أقاربه وأهل بيته علماء أجلاء كأنبياء بني إسرائيل كعلي كرّم الله تعالى وجهه كما يرشد إليه قوله صلىاللهعليهوسلم له رضي الله تعالى عنه «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» قلنا : فلم لا يجوز أن يبقى سبحانه له عليه الصلاة والسّلام أولادا ذكورا بالغين ويعوضه عن نبوتهم التي منعت عنها حكمة الخاتمية نحو ما عوضه عن نبوة بعض أقاربه التي منعت عنها تلك الحكمة وذلك أقرب لمقتضى التشريف كما لا يخفى ، وقيل : الملازمة مستفادة من الآية لأنه لولاها لم يكن للاستدراك معنى إذ لكن تتوسط بين متقابلين فلا بدّ من منافاة بنوتهم له عليه الصلاة والسّلام لكونه خاتم النبيين وهو إنما يكون باستلزام بنوتهم نبوتهم ، ولا يقدح فيه قوله تعالى : (رَسُولَ اللهِ) كما يتوهم لأنه لو سلم رسالتهم لكانت إما في عصره صلىاللهعليهوسلم وهي تنافي رسالته أو بعده وهي تنافي خاتميته ا ه ، وفيه أن الملازمة في قوله : ولو لا ذلك لم يكن للاستدراك معنى ممنوعة ، والدليل المذكور لم يثبتها لجواز أن يكون معنى الاستدراك ما ذكرناه أولا ، على أن فيما ذكره بعد ما لا يخفى ، وقيل في توجيه الاستدراك : إنه لما كان عدم النسل من الذكور يفهم منه أنه لا يبقي حكمه صلىاللهعليهوسلم ولا يدوم ذكره استدرك بما ذكر وهو كما ترى.
وقال بعض المتأخرين : يجوز أن لا يكون الاستدراك بلكن هنا بمعنى رفع التوهم الناشئ من أول الكلام كما في قولك : ما زيد كريم لكنه شجاع بل بمعنى أن يثبت لما بعدها حكم مخالف لما قبلها نحو ما هذا ساكن لكنه متحرك وما هذا أبيض لكنه أسود وقد جاء كذلك في بعض آي الكتاب الكريم كما في قوله تعالى : (يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الأعراف : ٦٧] فإن نفي السفاهة لا يوهم انتفاء الرسالة ولا انتفاء ما يلزمها من الهدى والتقوى حتى يجعل استدراكا بالمعنى الأول ا ه فليتأمل.
ومن العجيب أن ابن حجر الهيتمي قال في فتاواه الحديثية : إنه لا بعد في إثبات النبوة لإبراهيم ابن النبي صلىاللهعليهوسلم