ونسب إلى بعض أئمة أهل البيت أنه قال : إن الملائكة لتزاحمنا في بيوتنا بالركب ، والظاهر من كلامهم أن الاجتماع بهم والأخذ عنهم لا يكون إلا للكاملين ذوي النفوس القدسية وأن الإخلال بالسنّة مانع كبير عن ذلك ، ويرشد إليه ما أخرجه مسلم في صحيحه عن مطرف قال : قال لي عمران بن حصين قد كان ملك يسلم على حتى اكتويت فترك ثم تركت المكي فعاد ، ويعلم مما ذكرنا أن مدعيه إذا كان مخالفا لحكم الكتاب والسنّة كاذب لا ينبغي أن يصغي إليه ودعواه باطلة مردودة عليه فأين الظلمة من النور والنجس من الطهور ، ثم إنه لا طريق إلى معرفة كون المجتمع به ملكا بعد خبر الصادق سوى العلم الضروري الذي يخلقه الله تعالى في العبد بذلك ويقطع بعدم كونه ملكا متى خالف ما ألقاه وأتى به الكتاب أو السنّة أو إجماع الأمة ومثله فيما أرى التكلم بما يشبه الهذيان ويضحك منه الصبيان وينبغي لمن وقع له ذلك أن لا يشيعه ويعلن به لما فيه من التعرض للفتنة ، فقد أخرج مسلم عن مطرف أيضا من وجه آخر قال : بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال : إني محدثك فإن عشت فاكتم عني وإن مت فحدث بها إن شئت إنه قد سلم عليّ ـ وفي رواية الحاكم في المستدرك ـ اعلم يا مطرف أنه كان يسلم على الملائكة عند رأسي وعند البيت وعند باب الحجرة فلما اكتويت ذهب ذلك قال : فلما برأ كلمه قال : اعلم يا مطرف أنه عاد إلى الذي كنت أكتم عليّ حتى أموت ، وكذا ينبغي أن لا يقول لإلقاء الملك عليه إيحاء لما فيه من الإيهام القبيح وهو إيهام وحي النبوة الذي يكفر مدعيه بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بلا خلاف بين المسلمين ، وأطلق بعض الغلاة من الشيعة القول بالإيحاء إلى الأئمة الأطهار وهم رضي الله تعالى عنهم بمعزل عن قبول قول أولئك الأشرار.
فقد روي أن سديرا الصيرفي سأل جعفرا الصادق رضي الله تعالى عنه فقال : جعلت فداك إن شيعتكم اختلفت فيكم فأكثرت حتى قال بعضهم : إن الإمام ينكت في أذنه ، وقال آخرون : يوحى إليه ، وقال آخرون : يقذف في قلبه ، وقال آخرون : يرى في منامه ، وقال آخرون : إنما يفتي بكتب آبائه فبأي جوابهم آخذ يجعلني الله تعالى فداك؟ قال : لا تأخذ بشيء مما يقولون يا سدير نحن حجج الله تعالى وأمناؤه على خلقه حلالنا من كتاب الله تعالى وحرامنا منه ، حكاه محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في أول تفسيره مفاتيح الأسرار وقد ظهر في هذا العصر (١) عصابة من غلاة الشيعة لقبوا أنفسهم بالبابية لهم في هذا الباب فصول يحكم بكفر معتقدها كل من انتظم في سلك ذوي العقول ، وقد كاد يتمكن عرقهم في العراق لو لا همة واليه النجيب الذي وقع على همته وديانته الاتفاق حيث خذلهم نصره الله تعالى وشتت شملهم وغضب عليهم رضي الله تعالى عنه وأفسد عملهم فجزاه الله تعالى عن الإسلام خيرا ودفع عنه في الدارين ضيما وضيرا. وادعى بعضهم الوحي إلى عيسى عليهالسلام بعد نزوله ، وقد سئل عن ذلك ابن حجر الهيثمي فقال نعم يوحي إليه عليهالسلام وحي حقيقي كما في حديث مسلم وغيره عن النواس بن سمعان ، وفي رواية صحيحة «فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى يا عيسى إني أخرجت عبادا لي لا يد لأحد بقتالهم فحول عبادي إلى الطور وذلك الوحي على لسان جبريل عليهالسلام إذ هو السفير بين الله تعالى وأنبيائه» لا يعرف ذلك لغيره ، وخبر لا وحي بعدي باطل ، وما اشتهر أن جبريل عليهالسلام لا ينزل إلا الأرض بعد موت النبي صلىاللهعليهوسلم فهو لا أصل له ، ويرده خبر الطبراني ما أحب أن يرقد الجنب حتى يتوضأ فإني أخاف أن يتوفى وما يحضره جبريل عليهالسلام فإنه يدل على أن جبريل ينزل إلى الأرض ويحضر موت كل مؤمن توفاه الله تعالى وهو على طهارة ا ه ، ولعل من نفي الوحي عنه عليهالسلام بعد نزوله أراد وحي التشريع وما ذكر وحي لا تشريع فيه فتأمل. وكونه صلىاللهعليهوسلم خاتم النبيين مما نطق به الكتاب
__________________
(١) سنة ١٢٦١ ا ه منه.