(أَرْسَلْناكَ) على معنى أرسلناك والقرآن إما على سبيل التبعية وإما من باب متقلدا سيفا ورمحا ، وقيل : إنه على تقدير تاليا سراجا يجوز هذا العطف أي إنا أرسلناك وتاليا سراجا كقوله تعالى : (يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) [البينة : ٢] على أنه الجامع بين الأمرين على نحو : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً) [الأنبياء : ٤٨] أي أرسلنا بإرسالك تاليا.
وجوز أن يراد وجعلناك تاليا ، وقيل : يجوز أن يراد بذا سراج القرآن وحينئذ يكون التقدير إنا أرسلناك وأنزلنا عليك ذا سراج. وتعقب بأن جعل القرآن ذا سراج تعسف ، والحق أن كل ما قيل كذلك.
(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) عطف على مقدر يقتضيه المقام ويستدعيه النظام كأنه قيل : فراقب أحوال الناس وبشر المؤمنين. وجوز عطفه على الخبر السابق عطف القصة على القصة ، وقيل : هو معطوف عليه ويجعل في معنى الأمر لأنه في معنى ادعهم شاهدا ومبشرا ونذيرا إلخ وبشر المؤمنين منهم (بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) أي عطاء جزيلا وهو كما روي عن الحسن وقتادة الجنة وما أوتوا فيها ويؤيده قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [الشورى : ٢٢] وقيل : المعنى فضلا على سائر الأمم في الرتبة والشرف أو زيادة على أجور أعمالهم بطريق التفضل والإحسان. أخرج ابن جرير وابن عكرمة عن الحسن قال لما نزل : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] قالوا : يا رسول الله قد علمنا ما يفعل بك فما ذا يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) نهى عن مداراتهم في أمر الدعوة ولين الجانب في التبليغ والمسامحة في الإنذار كني عن ذلك بالنهي عن طاعتهم مبالغة في النهي والتنفير عن المنهي عليه بنظمها في سلكها وتصوير بصورتها ، وحمل غير واحد النهي على التهييج والإلهاب من حيث إنه صلىاللهعليهوسلم لم يطعهم حتى ينهى ، وجعله بعضهم من باب إياك أعني واسمعي يا جارة فلا تغفل.
(وَدَعْ أَذاهُمْ) أي لا تبال بإيذائهم إياك بسبب إنذارك إياهم واصبر على ما ينالك منهم قاله قتادة فأذاهم مصدر مضاف للفاعل ، وقال أبو حيان : الظاهر أنه مصدر مضاف للمفعول لما نهى صلىاللهعليهوسلم عن طاعتهم أمر بترك إيذائهم وعقوبتهم ونسخ منه ما يخص الكافرين بآية السيف وروي نحوه عن مجاهد والكلبي والأول أولى (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في كل ما تأتي وتذر من الشئون التي من جملتها هذا الشأن فإنه عزوجل يكفيهم (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) موكولا إليه الأمور في كل الأحوال ، وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لتعليل الحكم وتأكيد استقلال الاعتراض التذييلي ولما وصف صلىاللهعليهوسلم بنعوت خمسة قوبل كل واحد منها بخطاب يناسبه خلا أنه لم يذكر ما قابل الشاهد صريحا وهو لأمر بالمراقبة ثقة بظهور دلالة المبشر عليه وهو الأمر بالتبشير حسبما ذكر آنفا وقابل النذير بالنهي عن مداراة الكافرين والمنافقين والمسامحة في إنذارهم وقوبل الداعي بإذنه بالأمر بالتوكل عليه من حيث إنه عبارة عن الاستمداد منه تعالى والاستعانة به عزوجل وقوبل السراج المنير بالاكتفاء به تعالى فإن من أيده الله تعالى بالقوة القدسية ورشحه للنبوة وجعله برهانا نيرا يهدي الخلق من ظلمات الغي إلى نور الرشاد حقيق بأن يكتفي به تعالى عمن سواه ، وجعل الزمخشري مقابل الشاهد وبشر المؤمنين ومقابل الإعراض عن الكافرين والمنافقين المبشر أعني المؤمنين وتكلف في ذلك.
وقال الطيبي طيب الله تعالى ثراه : نظير هذه الآية ما روى البخاري : والإمام أحمد عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في التوراة قال : والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للمؤمنين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلقا ، وروى الدارمي نحوه عن عبد الله بن