أجود والمعنى واحد (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ) أي طلبت (مِمَّنْ عَزَلْتَ) أي تجنبت وحمل هذا التجنب على ما كان بطلاق ، ومن شرطية منصوبة بما بعدها ، وقوله تعالى (فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) جوابها أي من طلبتها ممن طلقت فليس عليك إثم في طلبها أو موصولة والجملة خبرها أي والتي طلبتها لا جناح عليك في طلبها والمراد نفي أن يكون عليه عليه الصلاة والسلام إثم في إرجاع المطلقة ، وقيل من موصولة معطوفة على (مَنْ تَشاءُ) الثاني والمراد به غير المطلقة ومعنى فلا جناح عليك فلا إثم عليك في شيء مما ذكر من الأرجاء والإيواء والابتغاء والمراد تفويض ذلك إلى مشيئته صلىاللهعليهوسلم.
وقال بعضهم : المراد به ما كان بترك مضاجعة بدون طلاق ، والمقصود من الآية بيان أن له صلىاللهعليهوسلم ترك مضاجعة من شاء من نسائه ومضاجعة من شاء منهن أي ممن لم يكن أرجأها وترك مضاجعتها والرجوع إلى مضاجعة من ترك مضاجعتها واعتزلها فمن عزل هي المرجأة ، وأفاد صاحب الكشاف أن الآية متضمنة قسمة جامعة لما هو الفرض لأنه صلىاللهعليهوسلم إما أن يطلق وإما أن يمسك وإذا أمسك ضاجع أو ترك وقسم أو لم يقسم وإذا طلق وعزل فأما أن يخلي المعزولة لا يبتغيها أو يبتغيها وانفهام الطلاق والإمساك بأقسامه بواسطة إطلاق الأرجاء والإيواء في قوله تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي) وانفهام ابتغاء المعزولة من قوله سبحانه (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ) إلخ ومتى فهم أن لا جناح في ابتغاء المعزولة بالطلاق وردها إلى النكاح فهم منه أن رفع النكاح في عدم ردها من طريق الأولى ولقد أجاد فيما أفاد ، وجوز بعضهم أن يكون من مبتدأ وفي الكلام معطوف وخبر محذوفان أي ومن ابتغيت ممن عزلت ومن لم تعزل سواء ، وقوله سبحانه : (فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) تأكيد لذلك ولا يخفى بعده وتعسفه ، وقال الحسن : معنى ـ ومن ابتغيت ـ إلخ من مات من نسائك اللواتي عندك أو خليت سبيلها فلا جناح عليك في أن تستبدل عوضها من اللاتي أحللت لك فلا تزداد على عدة نسائك اللاتي عندك كذا في البحر ، وكأنه جعل من للبدل كالتي في قوله تعالى : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) [التوبة : ٣٨] ومن عزلت شاملا لمن ماتت ومن طلقت وكلاهما بعيد ، وثانيهما أبعد من أولهما بكثير ومثله اعتبار ما اعتبره من القيود وبالجملة هو قول تبعد نسبته إلى الحسن ، وأبعد من ذلك نسبته إلى ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كما في الدر المنثور.
(ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَ) أي تفويض الأمر إلى مشيئتك أقرب إلى قرة عيونهن وسرورهن ورضاهن جميعا لأنه حكم كلهن فيه سواء ثم أن سويت بينهن وجدن ذلك تفضلا منك وإن رجحت بعضهن علمن أنه بحكم الله تعالى فتطمئن به نفوسهن ، وروي هذا عن قتادة ، والمراد بما آتيتهن عليه ما صنعت معهن فيتناول ترك المضاجعة والقسم ، وعن ابن عباس ومجاهد أن المعنى أنهن إذا علمن أن لك ردهن إلى فراشك بعد ما اعتزلتهن قرت أعينهن ولم يحزنّ ويرضين بما تفعله من التسوية والتفضيل لأنهن يعلمن أنك لم تطلقهن ، وظاهره جعل المشار إليه العلم بأن له صلىاللهعليهوسلم الإيواء ، وأظهر منه في ذلك قول الجبائي ذلك العلم منهن بأنك إذا عزلت واحدة كان لك أن تؤويها بعد ذلك أدنى لسرورهن وقرة أعينهن.
وقال بعض الأجلة : كون الإشارة إلى التفويض أنسب لفظا لأن ذلك للبعيد وكونها إلى الإيواء أنسب معنى لأن قرة عيونهن بالذات إنما هي بالإيواء فلا تغفل ، والأعين جمع قلة وأريد به هاهنا جمع الكثرة وكأن اختياره لأنه أوفق بكمية الأزواج ، وقرأ ابن محيصن «تقر» من أقر وفاعله ضميره صلىاللهعليهوسلم «أعينهنّ» بالنصب على المفعولية.
وقرئ «تقرّ» مبنيا للمفعول وأعينهن بالرفع نائب الفاعل و (كُلُّهُنَ) بالرفع في جميع ذلك وهو توكيد لنون (يَرْضَيْنَ).
وقرأ أبو إياس جوية بن عائذ «كلهن» بالنصب تأكيدا لضميره في «آتيتهن» قال ابن جني : وهذه القراءة راجعة