إلى معنى قراءة العامة «كلّهنّ» بضم اللام وذلك أن رضاهن كلهن بما أوتين كلهن على انفرادهن واجتماعهن فالمعنيان إذن واحد إلا أن للرفع معنى وذلك أن فيه إصراحا من اللفظ بأن يرضين كلهن ، والإصلاح في القراءة الشاذة إنما هو في إتيانهن وإن كان محصول الحال فيهما واحدا مع التأويل انتهى ، وقال الطيبي في توكيد الفاعل دون المفعول إظهار لكمال الرضا منهن وإن لم يكن الإيتاء كاملا سويا ، وفي توكيد المفعول إظهار أنهن مع كمال الإيتاء غير كاملات في الرضا والأول أبلغ في المدح لأن فيه معنى التتميم وذلك أن المؤكد يرفع إيهام التجوز عن المؤكد انتهى فتأمل (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ) خطاب له صلىاللهعليهوسلم ولأزواجه المطهرات على سبيل التغليب.
والمراد بما في القلوب عام ويدخل فيه ما يكون في قلوبهن من الرضا بما دبر الله تعالى في حقهن من تفويض الأمر إليه صلىاللهعليهوسلم ومقابل ذلك وما في قلبه الشريف عليه الصلاة والسلام من الميل إلى بعضهن دون بعض ، والكلام بعث على الاجتهاد في تحسين ما في القلوب ، ولعل اعتباره صلىاللهعليهوسلم في الخطاب لتطييب قلوبهن ، وفي الكشاف أن هذا وعيد لمن لم يرض منهن بما دبر الله تعالى من ذلك وفوض سبحانه إلى مشيئة رسوله عليه الصلاة والسلام وبعث على تواطؤ قلوبهن والتصافي بينهن والتوافق على طلب رضا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وطيب نفسه الكريمة ، والظاهر أنه غير قائل بدخوله صلىاللهعليهوسلم في الخطاب ، وحينئذ فأما أن يقول : إنه عام لهن ولسائر المؤمنين وإما أن يقول بأنه خاص بهن ولعله ظاهر كلامه وعليه لا يظهر وجهه التذكير ، وربما يقال على الأول : إن المقام غير ظاهر في اقتضاء دخول سائر المؤمنين في الخطاب ، وقال ابن عطية : الإشارة بذلك هاهنا إلى ما في قلب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من محبة شخص دون شخص ويدخل في المعنى المؤمنون ، وربما يتخيل أن الخطاب لجميع المكلفين والكلام بعث على تحسين ما في القلوب في شأن ما دبر الله تعالى لرسوله صلىاللهعليهوسلم في أمر أزواجه ونفي الخواطر الرديئة بأن يظن أن ذاك هو الذي تقتضيه الحكمة وأنه دليل على كمال المحبوبية ، ولا يتوهم خلافه فإن بعض الملحدين طعنوا كالنصارى في كثرة تزوجه عليه الصلاة والسلام وكونه في أمر النساء على حال لم يبح لأمته من حل جمع ما فوق الأربع وعدم التقيد بالقسم لهن مثلا وزعموا أن في ذلك دليلا على غلبة القوة الشهوية فيه عليه الصلاة والسلام وذلك مناف لتقدس النفس الذي هو من شأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فجزموا والعياذ بالله تعالى بنفي نبوته وأن ما فعله صلىاللهعليهوسلم لم يكن منه تعالى بل ليس ذلك إلا منه عليه الصلاة والسلام ولا يخفى أن قائلي ذلك على كفرهم جهلة بمراتب الكمال صم عن سماع آثاره عليه الصلاة والسلام ومن سبر الأخبار علم أنه صلىاللهعليهوسلم أكمل الأنبياء على الإطلاق لغاية كمال بشريته وملكيته وآثار الكمال الأول تزوج ما فوق الأربع والطواف عليهن كلهن في الليلة الواحدة وآثار الكمال الثاني أنه عليه الصلاة والسلام كثيرا ما كان يبيت ويصبح لا يأكل ولا يشرب وهو على غاية من القوة وعدم الاكتراث بترك ذلك وليس لأحد من الأنبياء عليهمالسلام اجتماع هذين الكمالين حسب اجتماعهما فيه عليه الصلاة والسلام ولتكثره النساء حكمة دينية جليلة أيضا وهي نشر أحكام شرعية لا تكاد تعلم إلا بواسطتهن مع تشييد أمر نبوته فإن النساء لا يكدن يحفظن سرا وهن أعلم الناس بخفايا أزواجهن فلو وقف نساؤه عليه الصلاة والسلام على أمر خفي منه يخل بمنصب النبوة لأظهرنه ، وكيف يتصور إخفاؤه بينهن مع كثرتهن. وكل سر جاوز الاثنين شاع.
وفي عدم إيجاب القسم عليه عليه الصلاة والسلام تأكيد لذلك كما لا يخفى على المنصف (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) مبالغا في العلم فيعلم كل ما يبدي ويخفي (حَلِيماً) مبالغا في الحلم فلا يعجل سبحانه بمقابلة من يفعل خلاف ما يحب حسبما يقتضيه فعله من عتاب أو عقاب أو فيصفح عما يغلب على القلب من الميول ونحوها ، هذا وفي البحر اتفقت الروايات على أنه عليه الصلاة والسلام كان يعدل بين أزواجه المطهرات في القسمة حتى مات ولم