الفاعل. وقرئ «يجازي» بضم الياء وكسر الزاي مبنيا للفاعل وهو ضميره تعالى وحده «الكفور» بالنصب على المفعولية ، وقرأ مسلم بن جندب «يجزى» مبنيا للمفعول «الكفور» بالرفع على النيابة ، والمجازاة على ما سمعت عن الزمخشري المكافآت لكن قال الخفاجي لم ترد في القرآن إلا مع العقاب بخلاف الجزاء فإنه عام وقد يخص بالخير ، وعن أبي إسحاق تقول جزيت الرجل في الخير وجازيته في الشر ، وفي معناه قول مجاهد يقال في العقوبة يجازي وفي المثوبة يجزى.
وقال بعض الأجلة : ينبغي أن يكون أبو إسحاق قد أراد أنك إذا أرسلت الفعلين ولم تعدهما إلى المفعول الثاني كانا كذلك وأما إذا ذكرته فيستعمل كل منهما في الخير والشر ، ويرد على ما ذكر (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) وكذا «وهل يجزى» في قراءة مسلم إذ الجزاء في ذلك مستعمل في الشر مع عدم ذكر المفعول الثاني ، وقوله :
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر |
|
وحسن فعل كما يجزى سنمار |
وقال الراغب : يقال جزيته وجازيته ولم يجىء في القرآن إلا جزى دون جازى وذلك لأن المجازاة المكافأة وهي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها ونعمة الله عزوجل تتعالى عن ذلك ولهذا لا يستعمل لفظ المكافأة فيه سبحانه وتعالى ، وفيه غفلة عما هنا إلا أن يقال : أراد أنه لم يجىء في القرآن جازى فيما هو نعمة مسندا إليه تعالى فإنه لم يخطر لي مجيء ذلك فيه والله تعالى أعلم ، ويحسن عندي قول أبي حيان : أكثر ما يستعمل الجزاء في الخير والمجازاة في الشر لكن في تقييدهما قد يقع كل منهما موقع الآخر ، وفي قوله سبحانه : (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) دون جازيناهم بما كفروا على الوجه الثاني في اسم الإشارة ما يحكى تمتع القوم بما يسر ووقوعهم بعده فيما يسيء ويضر ، ويمكن أن تكون نكتة التعبير بجزى الأكثر استعمالا في الخير ، ويجوز أن يكون التعبير بذاك أول وبنجازي ثانيا ليكون كل أوفق بعلته وهذا جار على كلا الوجهين في الإشارة فتدبر جدا.
(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً) إلى آخره عطف بمجموعه على مجموع ما قبله عطف القصة على القصة وهو حكاية لما أوتوا من النعم في مسايرهم ومتاجرهم وما فعلوا بها من الكفران وما حاق بهم بسبب ذلك وما قبل كان حكاية لما أوتوا من النعم في مساكنهم ومحل إقامتهم وما فعلوا بها وما فعل بهم ، والمراد بالقرى التي بورك فيها قرى الشام وذلك بكثرة أشجارها وأثمارها والتوسعة على أهلها وعن ابن عباس هي قرى بيت المقدس وعن مجاهد هي السراوية وعن وهب قرى صنعاء وقال ابن جبير : قرى مأرب والمعول عليه الأول حتى قال ابن عطية إن إجماع المفسرين عليه ، ومعنى (ظاهِرَةً) على ما روي عن قتادة متواصلة يقرب بعضها من بعض بحيث يظهر لمن في بعضها ما في مقابلته من الأخرى وهذا يقتضي القرب الشديد لكن سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما قيل في مقدار ما بين كل قريتين وقال المبرد ظاهرة مرتفعة أي على الآكام والظراب وهي أشرف القرى ، وقيل ظاهرة معروفة يقال هذا أمر ظاهر أي معروف وتعرف القرية لحسنها ورعاية أهلها المارين عليها ، وقيل ظاهرة موضوعة على الطرق ليسهل سير السابلة فيها.
وقال ابن عطية : الذي يظهر لي أن معنى (ظاهِرَةً) خارجة عن المدن فهي عبارة عن القرى الصغار التي في ظواهر المدن كأنه فصل بهذه الصفة بين القرى الصغار وبين القرى المطلقة التي هي المدن ، وظواهر المدن ما خرج عنها في الفيافي ومنه قولهم نزلنا بظاهر البلد الفلاني أي خارجا عنه ، ومنه قول الشاعر :
فلو شهدتني من قريش عصابة |
|
قريش البطاح لا قريش الظواهر |