تزول ، ويشعر بذلك الجملة الاسمية و«لكم» وتقديمه للاهتمام (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) بمخالفتكم إياه في عقائدكم وأفعالكم وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) تقرير لعداوته وتحذير من طاعته بالتنبيه على أن غرضه في دعوة شيعته إلى اتباع الهوى والركون إلى ملاذ الدنيا ليس إلا توريطهم وإلقاءهم في العذاب المخلد من حيث لا يشعرون فاللام ليست للعاقبة. وزعم ابن عطية أنها لها.
(الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) بسبب كفرهم وإجابتهم لدعوة الشيطان واتباعهم لخطواته ، ولعل تنكير «عذاب» لتعظيمه بحسب المدة فكأنه قيل : لهم عذاب دائم شديد (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) عظيمة (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) لا غاية لهما بسبب ما ذكر من الإيمان والعمل الصالح ، و (الَّذِينَ كَفَرُوا) مبتدأ خبره (لَهُمْ عَذابٌ) وكذا (الَّذِينَ آمَنُوا) و (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) إلخ ، وجوز بعضهم كون (الَّذِينَ كَفَرُوا) في موضع خفض بدلا من (أَصْحابِ السَّعِيرِ) أو صفة له أو في موضع نصب بدلا من (حِزْبَهُ) أو صفة له أو في موضع رفع بدلا من ضمير (لِيَكُونُوا) والكل مفوت لجزالة التركيب كما لا يخفى على الأريب (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) أي حسن له عمله السيّئ (فَرَآهُ) فاعتقده بسبب التزيين (حَسَناً) فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف ، و (مَنْ) موصولة في موضع رفع على الابتداء والجملة بعدها صلتها والخبر محذوف والفاء للتفريع والهمزة للإنكار فإن كانت مقدمة من تأخير كما هو رأي سيبويه والجمهور في نظير ذلك فالمراد تفريع إنكار ما بعدها على ما قبلها من الحكمين السابقين أي إذا كانت عاقبة كل من الفريقين ما ذكر فليس الذي زين له الكفر من جهة عدوه الشيطان فاعتقده حسنا وانهمك فيه كمن استقبحه واجتنبه واختار الإيمان والعمل الصالح وإن كانت في محلها الأصلي وكان العطف على مقدر تكون هي داخلة إليه كما ذهب إليه جمع فالمراد ما في حيزها ويكون التقدير أهما أي الذين كفروا والذين آمنوا وعملوا الصالحات متساويان فالذي زين له الكفر من جهة عدوه الشيطان فاعتقده حسنا وانهمك فيه كمن استقبحه واجتنبه واختار الإيمان والعمل الصالح أي ما هما متساويان ليكون الذي زين له الكفر كمن استقبحه ، وحذف هذا الخبر لدلالة الكلام عليه واقتضاء النظم الجليل إياه ، وقد صرح بالجزءين في نظير الآية الكريمة من قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) [محمد : ١٤] وقوله سبحانه : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى) [الرعد : ١٩] وقوله عزوجل : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) [الأنعام : ١٢٢] وفي التعبير عن الكافر بمن زين له سوء عمله فرآه حسنا إشارة إلى غاية ضلاله حتى كأنه غلب على عقله وسلب تمييزه فشأن المغلوب على عقله ذلك كما يشير إليه قول أبي نواس :
اسقني حتى تراني |
|
حسنا عندي القبيح |
وظاهر كلام الزجاج أن من شرطية حيث قال : الجواب على ضربين ، أحدهما ما يدل عليه قوله تعالى : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ) إلخ ويكون المعنى أفمن زين له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليهم حسرة ، وثانيهما ما يدل عليه قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ) إلخ ويكون المعنى أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله تعالى ، وإلى ذلك ذهب ابن مالك أيضا ، واعترض ابن هشام على التقدير الثاني بأن الظرف لا يكون جوابا وإن قلنا إنه جملة ، ووجهه أن الرضي صرح بأنه لا يكون مستقرا في غير الخبر والصفة والصلة والحال ولم يذكر الجواب لا أن ذلك لعدم الفاء ، وتقديرها داخلة على مبتدأ يكون الظرف خبره والجملة بتمامها جزاء غير جائز لما فيه من التكلف كما قيل.
وزعم بعضهم أنه يجوز أن يكون الزجاج قد ذهب إلى أن من موصولة وأطلق على خبرها الجواب لشبهه به في المعنى ألا تراهم يدخلون الفاء في خبر الموصول الذي صلته جملة فعلية كما يدخلونها في جواب الشرط فيقولون