كما يقال هلك عليه حبا ومات عليه حزنا أو هو بيان للمتحسر عليه فيكون ظرفا مستقرا ومتعلقه مقدر كأنه قيل : على من تذهب؟ فقيل : عليهم ، وجوز أن يتعلق بحسرات بناء على أنه يغتفر تقديم معمول المصدر عليه إذا كان ظرفا وهو الذي أختاره والزمخشري لا يجوز ذلك ، وجوز أن يكون حسرات حالا من (نَفْسُكَ) كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر كما قال جرير :
مشق الهواجر لحمهن مع السرى |
|
حتى ذهبن كلا كلا وصدورا |
يريد رجعن كلاكلا وصدورا أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها ، وهو الذي ذهب إليه سيبويه في البيت ، وقال المبرد : كلاكلا وصدورا تمييز محول عن الفاعل أي حتى ذهب كلاكلها وصدورها ، ومن هذا قوله :
فعلى أثرهم تساقط نفسي |
|
حسرات وذكرهم لي سقام |
وفيه مبالغات ثلاث ، وقرأ عبيد بن عمير «زيّن» مبنيا للفاعل ، ونصب «سوءا» وعنه أيضا «أسوأ» على وزن أفعل وأريد بأسوإ عمله الشرك ، وقرأ طلحة «أمن» بغير فاء قال صاحب اللوامح : فالهمزة للاستخبار والتقرير ويجوز أن تكون للنداء وحذف ما نودي لأجله أي تفكر وارجع إلى الله فإن الله إلخ ، والظاهر أنها للإنكار كما في قراءة الجمهور ، وقرأ أبو جعفر ، وقتادة وعيسى والأشهب وشيبة وأبو حيوة وحميد والأعمش وابن محيصن «تذهب» من أذهب مسندا إلى ضمير المخاطب «نفسك» بالنصب على المفعولية ورويت عن نافع.
(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) في موضع التعليل لما قبله وفيه وعيد للكفرة أي إنه تعالى عليم بما يصنعونه من القبائح فيجازيهم عليه ، والآيات من قوله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) إلى هنا نزلت على ما روي عن ابن عباس في أبي جهل ومشركي مكة ، وأخرج جويبر عن الضحاك أنها نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه. وأبي جهل حيث هدى الله تعالى عمر وأضل أبا جهل (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) مبتدأ وخبر ، وقرأ حمزة ، والكسائي وابن كثير «الريح» وصيغة المضارع في قوله تعالى : (فَتُثِيرُ سَحاباً) لحكاية الحال الماضية استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال القدرة والحكمة وكثيرا ما يفعلون ذلك بفعل فيه نوع تميز وخصوصية بحال تستغرب أو تهم المخاطب أو غير ذلك ، ومنه قول تأبط شرا :
ألا من مبلغ فتيان فهم |
|
بما لاقيت عند رحى بطان |
بأني قد رأيت الغول تهوي |
|
بسهب كالصحيفة صحصحان |
فقلت لها كلانا نضو أرض |
|
أخو سفر فخلي لي مكاني |
فشدت شدة نحوي فأهوت |
|
لها كفي بمصقول يماني |
فأضربها بلا دهش فخرت |
|
صريعا لليدين وللجران |
ولأن الإثارة خاصية للرياح وأثر لا ينفك في الغالب عنها فلا يوجد إلا بعد إيجادها فيكون مستقبلا بالنسبة إلى الإرسال ، وعلى هذا يكون استعمال المضارع على ظاهره وحقيقته من غير تأويل لأن المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم ، والفاء دالة على عدم تراخي ذلك وهو شيء آخر وجوز أن يكون الإتيان بما يدل على الماضي ثم بما يدل على المستقبل إشارة إلى استمرار الأمر وأنه لا يختص بزمان دون زمان إذ لا يصح المضي والاستقبال في شيء واحد إلا إذا قصد ذلك ، وقال الإمام : اختلاف الفعلين لأنه لما أسند فعل الإرسال إلى الله تعالى وما يفعل سبحانه يكون بقوله عزوجل : (كُنْ) [البقرة : ١١٧ وغيرها] فلا يبقى في العدم زمانا ولا جزء زمان جيء بلفظ الماضي دون المستقبل