لعجزهم عن الأفعال بالمرة ، هذا إذا كان المدعون الأصنام وأما إذا كانوا الملائكة عليهمالسلام أو نحوهم من المقربين فعدم الاستجابة القولية لأن دعاءهم من حيث زعم أنهم آلهة وهم بمعزل عن الإلهية فكيف يجيبون زاعم ذلك فيهم وفيه من التهمة ما فيه ، وعدم الاستجابة الفعلية يحتمل أن يكون لهذا أيضا ويحتمل أن يكون لأن نفع من دعاهم ليس من وظائفهم ، وقيل لأنهم يرون ذلك نقصا في العبودية والخضوع لله عزوجل.
ويجوز أن يكون هذا تعليلا للأول أيضا فتأمل (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) فضلا عن أن يستجيبوا لكم إذا دعوتموهم ، وشرك مصدر مضاف إلى الفاعل أي ويوم القيامة يجحدون إشراككم إياهم وعبادتكم إياهم وذلك بأن يقدر الله تعالى الأصنام على الكلام فيقولون لهم ما كنتم إيانا تعبدون أو يظهر من حالها ظهور نار القرى ليلا على علم ما يدل على ذلك ولسان الحال أفصح من لسان المقال ، ومن هذا القبيل قول ذي الرمة :
وقفت على ربع لمية ناطق |
|
يخاطبني آثاره وأخاطبه |
وأسقيه حتى كاد مما أبثه |
|
تكلمني أحجاره وملاعبه |
وإن كان المدعوون الملائكة ونحوهم فأمر التكلم ظاهر ، وقد حكى الله تعالى قول الملائكة للمشركين في السورة السابقة بقوله سبحانه : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) [سبأ : ٤٠ ، ٤١] (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) أي لا يخبرك بالأمر مخبر مثل مخبر خبيرا أخبرك به يعني به تعالى نفسه كما روي عن قتادة وغيره فإنه سبحانه الخبير بكنه الأمور ، وهو خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ويجوز أن يكون غير مختص أي لا يخبرك أيها السامع كائنا من كنت مخبر هو مثل الخبير العالم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، والمراد تحقيق ما أخبر سبحانه به من حال آلهتهم ونفي ما يدعون لهم من الإلهية.
وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون ذلك من تمام ذكر الأصنام كأنه قيل : ولا يخبرك مخبر مثل من يخبرك عن نفسه وهي قد أخبرت عن أنفسها بأنها ليست بآلهة ، وفيه من البعد ما فيه.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ(١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (١٨) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ(٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ