بالتشكيك فمختلف صفة بيض وحمر ، و (أَلْوانُها) فاعل له وليس بمبتدإ ، و (مُخْتَلِفٌ) خبره لوجوب مختلفة حينئذ ، وجوز أن يكون صفة (جُدَدٌ وَغَرابِيبُ) عطف على (بِيضٌ) فهو من تفاصيل الجدد والصفات القائمة بها أي ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر ، وغرابيب والغربيب هو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه ومنه الغراب ، وكثر في كلامهم اتباعه للأسود على أنه صفة له أو تأكيد لفظي فقالوا أسود غربيب كما قالوا أبيض يقق وأصفر فاقع وأحمر قانئ.
وظاهر كلام الزمخشري أن (غَرابِيبُ) هنا تأكيد لمحذوف والأصل وسود غرابيب أي شديدة السواد.
وتعقب بأنه لا يصح إلا على مذهب من يجوز حذف المؤكد ومن النحاة من منع ذلك وهو اختيار ابن مالك لأن التأكيد يقتضي الاعتناء والتقوية وقصد التطويل والحذف يقتضي خلافه. ورده الصفار كما في شرح التسهيل لأن المحذوف لدليل كالمذكور فلا ينافي تأكيده ، وفي بعض شروح المفصل أنه صفة لذلك المحذوف أقيم مقامه بعد حذفه ، وقوله تعالى : (سُودٌ) بدل منه أو عطف بيان له وهو مفسر للمحذوف ، ونظير ذلك قول النابغة :
والمؤمن العائذات الطير يمسحها |
|
ركبان مكة بين الغيل والسند |
وفيه التفسير بعد الإبهام ومزيد الاعتناء بوصف السواد حيث دل عليه من طريق الإضمار والإظهار.
ويجوز أن يكون العطف على (جُدَدٌ) على معنى ومن الجبال ذو جدد مختلف اللون ومنها غرابيب متحدة اللون كما يؤذن به المقابلة وإخراج التركيب على الأسلوب الذي سمعته ، وكأنه لما اعتنى بأمر السواد بإفادة أنه في غاية الشدة لم يذكر بعده الاختلاف بالشدة والضعف.
وقال الفراء : الكلام على التقديم والتأخير أي سود غرابيب ، وقيل ليس هناك مؤكد ولا موصوف محذوف وإنما (غَرابِيبُ) معطوف على (جُدَدٌ) أو على بيض من أول الأمر و (سُودٌ) بدل منه ، قال في البحر : وهذا حسن ويحسنه كون غربيب لم يلزم فيه أن يستعمل تأكيدا ، ومنه ما جاء في الحديث إن الله تعالى يبغض الشيخ الغربيب وهو الذي يخضب بالسواد ، وفسره ابن الأثير بالذي لا يشيب أي لسفاهته أو لعدم اهتمامه بأمر آخرته ، وحكي ما في البحر بصيغة قيل ، وقول الشاعر :
العين طامحة واليد شامخة |
|
والرجل لائحة والوجه غربيب |
(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) أي ومنهم بعض مختلف ألوانه أو بعضهم مختلف ألوانه على ما ذكروا في قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) [البقرة : ٨] والجملة عطف على الجملة التي قبلها وحكمها حكمها.
وفي إرشاد العقل السليم أن إيراد الجملتين اسميتين مع مشاركتهما لما قبلهما من الجملة الفعلية في الاستشهاد بمضمونها على تباين الناس في الأحوال الباطنة لما أن اختلاف الجبال والناس والدواب والأنعام فيما ذكر من الألوان أمر مستمر فعبر عنه بما يدل على الاستمرار وأما إخراج الثمرات المختلفة فحيث كان أمرا حادثا عبر عنه بما يدل على الحدوث ثم لما كان فيه نوع خفاء علق به الرؤية بطريق الاستفهام التقريري المنبئ عن الحمل عليها والترغيب فيها بخلاف أحوال الجبال والناس وغيرهما فإنها مشاهدة غنية عن التأمل فلذلك جردت عن التعليق بالرؤية فتدبر ا ه ، وما ذكره من أمر تعليق الرؤية مخالف لما في البحر حيث قال : وهذا استفهام تقرير ولا يكون إلا في الشيء الظاهر جدا فتأمل.
وقرأ الزهري «والدواب» بتخفيف الباء مبالغة في الهرب من التقاء الساكنين كما همز بعضهم (وَلَا الضَّالِّينَ) لذلك.