(إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) بدل اشتمال من (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) أو ظرف للمقدر ، وجوز أن يكون بدل كل من (أَصْحابَ) مرادا بهم قصتهم وبالظرف ما فيه وهو تكلف لا داعي إليه ، وقيل ، إذ جاءها دون إذ جاءهم إشارة إلى أن المرسلين أتوهم في مقرهم ، والمرسلون عند قتادة وغيره من أجلة المفسرين رسل عيسى عليهالسلام من الحواريين بعثهم حين رفع إلى السماء ، ونسبة إرسالهم إليه تعالى في قوله سبحانه :
(إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) بناء على أنه كان بأمره تعالى لتكميل التمثيل وتتميم التسلية ، وقال ابن عباس وكعب هم رسل الله تعالى : واختاره بعض الأجلة وادعى أن الله تعالى أرسلهم ردءا لعيسى عليهالسلام مقررين لشريعته كهارون لموسى عليهماالسلام ، وأيد بظاهر (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) وقول المرسل إليهم (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) إذ البشرية تنافي على زعمهم الرسالة من الله تعالى لا من غيره سبحانه ، واستدل البعض على ذلك بظهور المعجزة كإبراء الأكمه وإحياء الميت على أيديهم كما جاء في بعض الآثار والمعجزة مختصة بالنبي على ما قرر في الكلام ، ومن ذهب إلى الأول أجاب عن الأول بما سمعت وعن الثاني بأنهم إما أن يكونوا دعوهم على وجه فهموا منه أنهم مبلغون عن الله تعالى دون واسطة أو أنهم جعلوا الرسل بمنزلة مرسلهم فخاطبوهم بما يبطل رسالته ونزلوه منزلة الحاضر تغليبا فقالوا ما قالوه ، وعن الثالث بأن ما ظهر على أيديهم إن صح الأثر كان كرامة لهم في معنى المعجزة لعيسى عليهالسلام ولا يتعين كونه معجزة لهم إلا إذا كانوا قد ادعوا الرسالة من الله تعالى بدون واسطة وهو أول المسألة ، و«إذ» بدل من إذ الأولى ، والاثنان قيل يوحنا وبولس ، وقال مقاتل تومان وبولس ، وقال شعيب الجبائي شمعون ويوحنا ، وقال وهب وكعب : صادق وصدوق ، وقيل نازوص وماروص.
وقيل (أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ) دون أرسلنا إليها ليطابق إذ جاءها لأن الإرسال حقيقة إنما يكون إليهم لا إليها بخلاف المجيء وأيضا التعقيب بقوله تعالى : (فَكَذَّبُوهُما) عليه أظهر وهو هنا نظير التعقيب في قوله تعالى : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ) [الأعراف : ١٦٠] وسميت الفاء الفصيحة لأنها تفصح عن فعل محذوف وكان أصحاب القرية إذ ذاك عباد أصنام (فَعَزَّزْنا) أي قويناهما وشددنا قاله مجاهد وابن قتيبة ، وقال يقال تعزز لحم الناقة إذا صلب ، وقال غيره : يقال عزز المطر الأرض إذا لبدها وشدها ويقال للأرض الصلبة العزاز ومنه العز بمعناه المعروف ، ومفعول الفعل محذوف أي فعززناهما (بِثالِثٍ) لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصود ذكر المعزز به.
وهو على ما روي عن ابن عباس شمعون الصفا ويقال سمعان أيضا ، وقال وهب وكعب : شلوم. وعند شعيب الجبائي بولص بالصاد وبعضهم يحكيه بالسين. وقرأ الحسن وأبو حيوة وأبو بكر والمفضل وأبان «فعززنا» بالتخفيف وهو التشديد لغتان كشدة وشدده فالمعنى واحد ، وقال أبو علي المخفف من عزه إذا غلبه ومنه قولهم من عزيز أي من غلب سلب ، والمعنى عليه فغلبناهم بحجة ثالث. وقرأ عبد الله «بالثالث» (فَقالُوا) عطف على «فكذبوهما» فعززنا والفاء للتعقيب أي فقال الثلاثة بعد تكذيب الاثنين والتعزيز بثالث (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) ولا يضر في نسبة القول إلى الثلاثة سكوت البعض إذ يكفي الاتفاق بل قالوا طريقة التكلم مع الغير كون المتكلم واحدا والغير متفقا معه (قالُوا) أي أصحاب القرية مخاطبين للثلاثة (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) من غير مزية لكم علينا موجبة لاختصاصكم بما تدعونه ، ورفع (بَشَرٌ) لانتقاض النفي بإلا فإن ـ ما ـ عملت حملا على ليس فإذا انتقض نفيها بدخول إلا على الخبر ضعف الشبه فيها فبطل عملها خلافا ليونس ، ومثل صفة (بَشَرٌ) ولم يكتسب تعريفا بالإضافة كما عرف في النحو (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) مما تدعون من الوحي على أحد وظاهر هذا القول يقتضي إقرارهم بالألوهية لكنهم ينكرون الرسالة ويتوسلون بالأصنام وكان تخصيص هذا الاسم الجليل من بين أسمائه عزوجل لزعمهم أن الرحمة تأبى إنزال