تبعك وأقم وجهك إلخ ا ه ، ومنه يعلم حال الفاء في قوله تعالى : (فَمَنْ) وكذا في قوله سبحانه : (فَأَقِمْ) وقدر النيسابوري للثانية إذا تبين الحق وظهرت الوحدانية فأقم إلخ ، ولعل ما أشار إليه الطيبي أولى ، ثم إنه يلوح من كلامه احتمال أن يكون الموصول قائما مقام ضمير (الَّذِينَ ظَلَمُوا) فتدبر.
و«أقم» من أقام العود ويقال قوم العود أيضا إذا عدله ، والمراد الأمر بالإقبال على دين الإسلام والاستقامة والثبات عليه والاهتمام بترتيب أسبابه على أن الكلام تمثيل لذلك فإن من اهتم بشيء محسوس بالبصر عقد إليه طرفة وسدد إليه نظره وأقبل عليه بوجه غير ملتفت عنه فكأنه قيل : فعدل وجهك للدين وأقبل عليه إقبالا كاملا غير ملتفت يمينا وشمالا ، وقال بعض الأجلة : إن إقامة الوجه للشيء كناية عن كمال الاهتمام به ، ولعله أراد بالكناية المجاز المتفرع على الكناية فإنه لا يشترط فيه إمكان إرادة المعنى الحقيقي ، ونصب (حَنِيفاً) على الحال من الضمير في (أقم) أو من الدين ، وجوز أبو حيان كونه حالا من الوجه ، وأصل الحنف الميل من الضلال إلى الاستقامة وضده الجنف بالجيم (فِطْرَتَ اللهِ) نصب على الإغراء أي الزموا فطرة الله تعالى ، ومن أجاز إضمار أسماء الأفعال جوز أن يقدر هنا عليكم اسم فعل ، وقال مكي : هو نصب بإضمار فعل أي اتبع فطرة الله ودل عليه قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) لأن معناه اتبع الدين ، واختاره الطيبي وقال : أنه أقرب في تأليف النظم لأنه موافق لقوله تعالى : (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ) ولترتب قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) عليه بالفاء.
وجوز أن يكون نصبا بإضمار أعني وأن يكون مفعولا مطلقا لفعل محذوف دل عليه ما بعد أي فطركم فطرة الله ، ولا يصح عمل فطر المذكور بعد فيه لأنه من صفته ، وأن يكون منصوبا بما دل عليه الجملة السابقة على أنه مصدر مؤكد لنفسه. وأن يكون بدلا من (حَنِيفاً) والمتبادر إلى الذهن النصب على الإغراء ، وإضمار الفعل على خطاب الجماعة مع أن المتقدم (فَأَقِمْ) هو ما اختاره الزمخشري ليطابق قوله تعالى : (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) وجعله حالا من ضمير الجماعة المسند إليه الفعل ، وجعل قوله تعالى : (وَ) اتقوا (وَأَقِيمُوا وَلا تَكُونُوا) معطوفا على ذلك الفعل.
وقال الطيبي : بعد ما اختار تقرير اتبع ورجحه بما سمعت : وأما قوله تعالى : (مُنِيبِينَ) فهو حال من الضمير في (أقم) وإنما جمع لأنه مردد على المعنى لأن الخطاب للنبي صلّى الله تعالى عليه وسلم وهو خطاب لأمته فكأنه قيل : أقيموا وجوهكم منيبين.
وقال الفراء : أي أقم وجهك ومن تبعك كقوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ) [هود: ١١٢] فلذلك قال سبحانه : (مُنِيبِينَ) وفي المرشد أن (مُنِيبِينَ) متعلق بمضمر أي كونوا منيبين لقوله تعالى بعد : (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ا ه. ولا يخفى على المنصف حسن كلام الزمخشري ، وما أن ذكر من خطابه صلّى الله تعالى عليه وسلم خطاب الأمة يؤكد الدلالة وعلى ذلك المضمر لا أنه يجوز أن يكون (نِيبِينَ) حالا من الضمير في (أقم) وظاهر كلام الفراء يقتضي كون الحال من مذكور ومحذوف وهو قليل في الكلام ، وإضمار كونوا مع إضمار فعل ناصب لفطرة الله موجب لكثرة الإضمار ، وإضماره دون إضمار فيما قيل موجب لارتكاب خلاف المتبادر هناك ، والفطرة على ما قال ابن الأثير للحالة كالجلسة والركبة من الفطر بمعنى الابتداء والاختراع ، وفسرها الكثير هنا بقابلية الحق والتهيؤ لإدراكه ، وقالوا : معنى لزومها الجريان على موجبها وعدم الإخلال به باتباع الهوى وتسويل شياطين الأنس والجن ، ووصفها بقوله تعالى : (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) لتأكيد وجوب امتثال الأمر ، وعن عكرمة تفسيرها بدين الإسلام.
وفي الخبر ما يدل عليه ، أخرج ابن مردويه عن حماد بن عمر الصفار قال : سألت عن قتادة عن قوله تعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) فقال : حدثني أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : «قال رسول الله صلى الله