عطارد ذكر أنثى وأن سائر الكواكب تذكر وتؤنث بسبب الأشكال التي تكون لها بالقياس إلى الشمس وذلك أنها إذا كانت مشرقة متقدمة على الشمس فهي مذكرة وإن كانت مغربة تابعة كانت مؤنثة وإن ذلك يكون لها بالقياس إلى أشكالها من الأفق ، وذلك أنها إذا كانت في الأشكال التي من المشرق إلى وسط السماء مما تحت الأرض فهي مذكرة وإذا كانت في الربعين الباقيين فهي مؤنثة ، ويلزم عليه انقلاب المذكر مؤنثا والمؤنث مذكرا.
وأجاب بعضهم عن هذا الهذيان أنه لا مانع من اتصاف شيء بأمر بالقياس إلى شيء وبضده بالقياس إلى آخر وهو في نفسه غير متصف بشيء منهما كالأدكن فإنه يقال فيه أبيض بالقياس إلى الأسود وأسود بالقياس إلى الأبيض وهو في نفسه لا أسود ولا أبيض فكذا الكواكب يقال إنها ذكران وإناث بالقياس إلى الأشكال أعني الجهات والجهات إلى الرياح كالصبا والدبور والرياح إلى الكيفيات لا أنها ذكران وإناث في أنفسها ، وهو تلبيس فإن الأدكن فيه شائبة بياض وسواد فمقتضى التشبيه يلزم أن يكون في الكوكب شائبة ذكورة وأنوثة ، وأيضا الظاهر أن الانقسام المذكور بحسب الطبيعة والتأثير والتأثر ولا يكاد بعرف انقلاب الحقيقة والطبيعة بحسب الموضع والقرب والبعد ، ومنه يعلم فساد ما قالوا : إن القمر من أول ما يهل إلى وقت انتصافه الأول في الضوء يكون فاعلا للرطوبة خاصة ومن ذلك إلى وقت الامتلاء يكون فاعلا للحرارة ومنه إلى وقت الانتصاف الثاني في الضوء يكون فاعلا لليبس ومن ذلك إلى وقت خفائه يكون فاعلا للبرودة وقاسوا ذلك على تأثيرات الشمس في الفصول والفرق مثل الشمس ظاهر ، ويلزم عليه كون الشهر الواحد ذا فصول والحس يدفعه ، وأيضا كلامهم هذا يخالف ما قالوه من أن قوة القمر الترطيب لقرب فلكه من الأرض وقبوله للبخارات الرطبة التي ترتفع منها إليه ، ثم إن هذا القول باطل في نفسه لما أنه يلزم عليه ازدياد رطوبة القمر في كل يوم لو سلم تصاعد البخارات الرطبة إليه وتأثره منها ، كذا القول بأن قوة زحل أن يبرد ويجفف تجفيفا يسيرا لبعده عن حرارة الشمس والبخارات الرطبة ، وإن قوة المريخ مجففة محرقة لمشاكلة لونه لون النار ولقربه من الشمس ، وكوكب الدب الأكبر كالمريخ ، وإن عطاردا معتدل في التجفيف والترطيب لأنه لا يبعد عن الشمس بعدا كثيرا ولا وضعه فوق كرة القمر. ومن العجائب استدلال فضلائهم على اختلاف طبائع الكواكب باختلاف ألوانها حيث قالوا : لما كان لون زحل الغبرة والكمودة حكمنا بأنه على طبع السوداء وهو البرد واليبس فإن لها من الألوان الغبرة ، ولما كان لون المريخ كلون النار قلنا طبعه حار يابس والحرارة واليبس في الشمس ظاهرتان ، ولما كان لون الزهرة كالمركب من البياض والصفرة والبياض أظهر فيها قلنا طبعها البرودة والرطوبة كالبلغم ، ولما كان صفرة المشتري أكثر مما في الزهرة كانت سخونته أكثر من سخونة الزهرة وكان في غاية الاعتدال ، وأما القمر فهو أبيض وفيه كمودة فيدل بياضه على البرودة.
وأما عطارد فتختلف ألوانه فربما رأيناه أخضر وربما رأيناه أغبر وربما رأيناه على خلاف هذين اللونين وذلك في أوقات مختلفة مع كونه من الأفق على ارتفاع واحد فلا جرم يكون له طبائع مختلفة إلا أنا لما وجدناه في الأغلب أغبر كالأرض قلنا هو مثلها في الطبع ، ويرد عليه أن المشاركة في بعض الصفات لا تقتضي المشاركة في الطبيعة ولا في صفة أخرى ، وأن دلالة مجرد اللون على الطبيعة ضعيفة جدا لاشتراك الكثير في لون مع اختلاف الطبائع ، وأيضا الزرقة أظهر في الزهرة واختلاف ألوان عطارد لأنّا نراه قريب الأفق فيكون بيننا وبينه بخارات مختلفة ، وقال أبو معشر : إن القمر لا ينسب لونه إلى البياض إلا من عدم قوة الحس البصري وفيه بعد ما فيه ولو سلم جميع ما قالوه من اختلاف طبائع البروج والكواكب بالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فقصارى ما يترتب على ذلك ما نجده من اختلاف الأقاليم حرارة وبرودة مثلا واختلاف أشجارها وأثمارها واختلاف أجسام أهلها وألوانهم واختلاف حيواناتها إلى غير