المعنى الأول متكفل بالدلالة على محبتهن لأزواجهن وعلى المعنى الثاني متكفل بالدلالة على محبة أزواجهن لهن وإذا حصلت المحبة من طرف فالغالب حصولها من الطرف الآخر ، وقد قيل : من القلب إلى القلب سبيل والأمر في الشاهد أن كون الزوجات أصغر من الأزواج أحب لهم لا التساوي ، واختار بعضهم كون ذلك بينهن وبين أزواجهن ، ويلزم منه مساواة بعضهن لبعض وهذا إذا كان المراد بقوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ) إلخ وعند كل واحد منهم ولو كان المراد وعند مجموعهم وكان الجمع موزعا بأن يكون لكل واحد واحد من أهل الجنة واحدة واحدة من قاصرات الطرف الأتراب كان اعتبار كون الوصف بينهن وبين الأزواج كالمتعين لكن هذا الفرض خلاف ما نطقت به الأخبار سواء قلنا بما روي عن ابن عباس من أن الآية في الآدميات أو قلنا بما قاله صاحب الفينان من أنها في الحور ، وقيل بناء على ما هو الظاهر في الوصف أن التساوي في الأعمار بين الحور وبين نساء الجنة فالآية فيهما (هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ) أي لأجل يوم الحساب فإن ما وعدوه لأجل طاعتهم وأعمالهم الصالحة وهي تظهر بالحساب فجعل كأنه علة لتوقف إنجاز الوعد فالنسبة لليوم والحساب مجازية ، وجوز أن تكون اللام بمعنى بعد كما في كتب لخمس خلون من جمادى الآخرة مثلا وهو أقل مئونة.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «يوعدون» بياء الغيبة وعلى قراءة الجمهور بتاء الخطاب فيه التفات (إِنَّ هذا) أي ما ذكر من ألوان النعم والكرامات (لَرِزْقُنا) أعطيناكموه (ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) انقطاع أبدا (هذا) قال الزجاج : أي الأمر هذا على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وقال أبو علي : أي هذا للمؤمنين على أنه مبتدأ خبره محذوف وقدره بعضهم كما ذكر.
وجوز أبو البقاء احتمال كونه مبتدأ محذوف الخبر واحتمال كونه خبرا محذوف المبتدأ ، وجوز بعضهم كونه فاعل فعل محذوف أي مضى هذا وكونه مفعولا لفعل محذوف أي خذ هذا ، وجوز أيضا كونها اسم فعل بمعنى خذ وذا مفعوله من غير تقدير ورسمه متصلا يبعده والتقدير أسهل منه ، وقوله تعالى : (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) عطف على ما قبله ، ولزوم عطف الخبر على الإنشاء على بعض الاحتمالات جوابه سهل ، وأشار الخفاجي إلى الحالية هنا أيضا ولعل أمرها على بعض الأقوال المذكورة هين ، والطاغون هنا الكفار كما يدل عليه كلام ابن عباس حيث قال : أي الذين طغوا عليّ وكذبوا رسلي ، وقال الجبائي : أصحاب الكبائر كفارا كانوا أو لم يكونوا ، وإضافة (شر) إلى (مَآبٍ) كإضافة (حسن) إليه فيما تقدم ، وظاهر المقابلة يقتضي أن يقال : لقبح مآب هنا أو لخير مآب فيما مضى لكنه مثله لا يلتفت إليه إذا تقابلت المعاني لأنه من تكلف الصنعة البديعية كما صرح به المرزوقي في شرح الحماسة كذا قيل ، وقيل إنه من الاحتباك وأصله إن للمتقين لخير مآب وحسن مآب وإن للطاغين لقبح مآب وشر مآب واستحسنه الخفاجي وفيه نوع بعد ، وقوله تعالى :
(جَهَنَّمَ) يعلم إعرابه مما سلف ؛ وقوله سبحانه : (يَصْلَوْنَها) أي يدخلونها ويقاسون حرها حال من جهنم نفسها أو من الضمير المستتر في خبر أن الراجع لشر مآب المراد به هي والحال مقدرة (فَبِئْسَ الْمِهادُ) أي هي يعني جهنم فالمخصوص بالذم محذوف ، والمهاد كالفراش لفظا ومعنى وقد استعير مما يفترشه النائم ، والمهد كالمهاد وقد يخص بمقر الطفل (هذا) خبر مبتدأ محذوف أي العذاب هذا ، وقوله تعالى : (فَلْيَذُوقُوهُ) جملة مرتبة على الجملة قبلها فهي بمنزلة جزاء شرط محذوف ، وقوله تعالى : (حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) خبر مبتدأ محذوف أي هو حميم وغساق وذا قد يشاربه للمتعدد أو مبتدأ محذوف الخبر أي منه حميم ومنه غساق كما في قوله :
حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس |
|
وغودر البقل ملوىّ ومحصود |
أي منه ملويّ ومنه محصود أو (هذا) مبتدأ خبره (حَمِيمٌ) وجملة (فَلْيَذُوقُوهُ) معترضة كقولك زيد