(هُوَ) للقرآن كما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ، واستشهد بآخر السورة وقال : إنه يدخل ما ذكر دخولا أوليا ، واختار كون هذه الجملة استئنافا ناعيا عليهم سوء حالهم بالنسبة إليه وأنهم لا يقدرون قدره الجليل مع غاية عظمته الموجبة للإقبال عليه وتلقيه بحسن القبول ؛ وكأن الكلام عليه ناظر إلى ما فيه أول السورة من قوله تعالى : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) [ص : ١ ، ٢] جيء به ليستدل على أنه وارد من جهته تعالى بما يشير إليه قوله تعالى :
(ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠) إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ(٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٧٨) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)(٨٨)
(ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) إلخ حيث تضمن ذكر نبأ من أنبائه على التفصيل من غير سابقة معرفة به ولا مباشرة سبب من أسبابها المعتادة كالنظر في الكتب الإلهية والسماع من الكتابين وهو حجة بينة دالة على أنه بطريق الوحي من عند الله تعالى وأن سائر أنبائه أيضا كذلك ؛ وهو على ما قلنا تذكير لإثبات النبوة بذكر مختصر منه تمهيدا لإرشاد الطريق وتذكيرا للباقي وتسلقا منه إلى استماع ما ذكره لطف للمدعوين وتنويه للداعي ، وعدم التعرض لنحو ذلك في أمر التوحيد لظهور أدلته مع كونه ذكر شيء منها غضا طريا وهو ما أشارت إليه الصفات المذكورة آنفا ، فلا يقال : إن التعرض لإثبات النبوة دون التوحيد دليل على أن المقصود بالإفادة هو النبوة وأن الثاني جيء به تتميما لذلك.
وأنت تعلم أن النبوة وكون القرآن وحيا من عند الله تعالى مثلا زمان متى ثبت أحدهما ثبت الآخر ، لكن يرجح جعل الآية في النبوة وإثباتها القرب وتصدير هذه الآية بنحو ما صدرت به الآية المتضمنة دعوى النبوة قبلها من قوله تعالى (قل) فإن سلم لك هذا المرجح فذاك وإلا فلا تعدل عما روي عن ابن عباس ومن معه ، وعن الحسن أن ذلك يوم القيامة كما في قوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) [النبأ : ١ ، ٢] وقيل : ما تقدم من أنباء الأنبياء عليهمالسلام ، وقيل : تخاصم أهل النار ، وعدي العلم بالباء نظرا إلى معنى الإحاطة ، والملأ الجماعة الأشراف لأنهم يملئون العيون رواء والنفوس جلالة وبهاء وهو اسم جمع ولذا وصف بالمفرد أعني (الْأَعْلى) والمراد به عند ملأ الملائكة وآدم عليهمالسلام وإبليس عليه اللعنة وكانوا في السماء فالعلو حسي وكان التقاول بينهم على ما ستعلمه إن شاء الله ، وإذ متعلقة بمحذوف يقتضيه المقام إذ المراد نفي علمه عليه الصلاة والسلام بحالهم لا بذواتهم ، والتقدير ما كان لي فيما سبق علم ما بوجه من الوجوه بحال الملأ إلا على وقت اختصامهم ، وهو أولى من تقدير الكلام كما ذهب إليه الجمهور أي ما كان لي علم بكلام الملأ إلا على وقت اختصامهم لأن علمه صلىاللهعليهوسلم غير مقصور على ما جرى بينهم من