سبحانه بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما هذا في أهل البدع وإنما هو من الشيطان ، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن جبير : قال الصعقة من الشيطان ، وقال ابن سيرين : بيننا وبين هؤلاء الذين يصرعون عند قراءة أن يجعل أحدهم على حائط باسطا رجليه ثم يقرأ عليهم القرآن كله فإن رمى بنفسه فهو صادق ، فهذه أخبار ناعية على بعض المتصوفة صعقهم وتواجدهم وضرب رءوسهم الأرض عند سماع القرآن ويقول مشايخهم : إن ذلك لضعف القلوب عن تحمل الوارد وليس فاعلو ذلك في الكمال كالصحابة أهل الصدر الأول في قوة التحمل فما هو إلا دليل النقص بدليل أن السالك إذا كمل رسخ وقوي قلبه ولم يصدر منه شيء من ذلك ويقولون : ليس في الآية أكثر من إثبات الاقشعرار واللين وليس فيها نفي أن يعتريهم حال آخر بل في الآية إشعار بأن المذكور حال الراسخين الكاملين حيث قال سبحانه : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) فعبر بالموصول ومقتضى معلومية الصلة أن لهم رسوخا في الخشية حتى يعلموا بها فلا يلزم من كون حالهم ما ذكر ليس إلا على فرض دلالتها على الحصر كون حال غيرهم كذلك ثم إنه متى كان الأمر ضروريا كالعطاس لا اعتراض على من يتصف به ، وفي كلام ابن سيرين ما يؤيد ذلك ، وهذا غاية ما يقال في هذا المجال ونحن نسأل الله تعالى أن يتفضل علينا بما تفضل به على أصحاب نبيه صلىاللهعليهوسلم (ذلِكَ هُدَى اللهِ) الإشارة إلى الكتاب الذي شرح أحواله (يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) أي من يشاء الله تعالى هدايته بأن يوفقه سبحانه للتأمل فيما في تضاعيفه من شواهد الحقية ودلائل كونه من عنده عزوجل ، وجوز أن يكون ضمير (يَشاءُ) لمن والمعنى يهدي به الله تعالى من يشاء هداية الله تعالى وليس بذاك.
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) أي يخلق سبحانه فيه الضلال لإعراضه عما يرشده إلى الحق بسوء استعداده (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يخلصه من ورطة الضلال ، وقيل : الإشارة بذلك إلى المذكور من الاقشعرار واللين والمعنى ذلك الذي ذكر من الخشية والرجاء أثر هداه تعالى يهدي بذلك الأثر من يشاء من عباده ومن يضلله أي ومن لم يؤثر فيه لقسوة قلبه وإصراره على فجوره فما له من هاد أي من مؤثر فيه بشيء قط وهو كما ترى.
(أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)(٣١)
(أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) استئناف جار مجرى التعليل لما قبله من تباين حال المهتدي والضال ، والكلام في الهمزة والفاء والخبر كالذي مر في نظائره ، ويقال هنا على أحد القولين : التقدير أكلّ الناس سواء فمن شأنه أن يتقي بوجهه الذي هو أشرف أعضائه يوم القيامة العذاب السيئ الشديد لكون يده التي بها كان يتقي المكاره مغلولة إلى عنقه كمن هو آمن لا يعتريه مكروه ولا يحتاج إلى الاتقاء بوجه من الوجوه فالوجه على حقيقته وقد يحمل على ذلك من غير حاجة إلى حديث كون اليد مغلولة تصويرا لكمال اتقائه وجده فيه وهو أبلغ ، وفي هذا المضمار يجري قول الشاعر :