والحسن والأعرج والأعمش وحمزة والكسائي وأبو بكر «بمفازاتهم» جمعا لتكون على طبق المضاف إليه في الدلالة على التعدد صريحا (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) من خير وشر وإيمان وكفر لكن لا بالجبر بل بمباشرة المتصف بهما لأسبابهما فالآية رادة على المعتزلة ردا ظاهر (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) يتولى التصرف فيه كيفما يشاء حسبما تقتضيه الحكمة ، وكأن ذكر ذلك للدلالة على أنه سبحانه الغني المطلق وأن المنافع والمضار راجعة إلى العباد ، ولك أن تقول : المعنى أنه تعالى حفيظ على كل شيء كما قيل نحو ذلك في قوله تعالى : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الأنعام : ١٠٧ ، الزمر : ٤١ ، الشورى : ٦] وحاصله أنه تعالى يتولى حفظ كل شيء بعد خلقه فيكون إشارة إلى احتياج الأشياء إليه تعالى في بقائها كما أنها محتاجة إليه عزوجل في وجودها.
(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي مفاتيحها كما قال ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم فقيل هو جمع لا واحد له من لفظه ، وقيل : جمع مقليد وقيل : جمع مقلاد من التقليد بمعنى الإلزام ومنه تقليد القضاء وهو إلزامه النظر في أموره ، وكذا القلادة للزومها للعنق ، وجعل اسما للآلة المعروفة للإلزام بمعنى الحفظ وهو على جميع هذه الأقوال عربي والأشهر الأظهر كونه معربا فهو جمع إقليد معرب إكليد وهو جمع شاذ لأن جمع أفعيل على مفاعيل مخالف للقياس وجاء أقاليد على القياس ويقال : في اكليد كليد بلا همزة ، وذكر الشهاب أنه بلغة الروم أقليدس وكليد واكليد منه ، والمشهور أن كليد فارسي ولم يشتهر في الفارسية إكليد بالهمز ، وله مقاليد كذا قيل : مجاز عن كونه مالك أمره ومتصرفا فيه بعلاقة اللزوم ، ويكنى به عن معنى القدرة والحفظ ، وجوز كون المعنى الأول كنائيا لكن قد اشتهر فنزل منزلة المدلول الحقيقي فكني به عن المعنى الآخر فيكون هناك كناية على كناية وقد يقتصر على المعنى الأول في الإرادة وعليه قيل هنا المعنى لا يملك أمر السماوات والأرض ولا يتمكن من التصرف فيها غيره عزوجل. والبيضاوي بعد ذكر ذلك قال : هو كناية عن قدرته تعالى وحفظه لها وفيه مزيد دلالة على الاستقلال والاستبداد لمكان اللام والتقديم ، وقال الراغب : مقاليد السماوات والأرض ما يحيط بها ، وقيل : خزائنها ، وقيل : مفاتيحها ، والإشارة بكلها إلى المعنى واحد وهو قدرته تعالى عليها وحفظه لها انتهى.
وجوز أن يكون المعنى لا يملك التصرف في خزائن السماوات والأرض أي ما أودع فيها واستعدت له من المنافع غيره تعالى ، ولا يخفى أن هذه الجملة إن كانت في موضع التعليل لقوله سبحانه : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) على المعنى الأول فالأظهر الاقتصار في معناها على أنه لا يملك أمر السماوات والأرض أي العالم بأسره غيره تعالى فكأنه قيل : هو تعالى يتولى التصرف في كل شيء لأنه لا يملك أمره سواه عزوجل ، وإن كانت تعليلا له على المعنى الثاني فالأظهر الاقتصار في معناها على أنه لا قدرة عليها لأحد غيره جل شأنه فكأنه قيل : هو تعالى يتولى حفظ كل شيء لأنه لا قدرة لأحد عليه غيره تعالى ، وجوز أن تكون عطف بيان للجملة قبلها وأن تكون صفة (وَكِيلٌ) وأن تكون خبرا بعد خبر فأمعن النظر في ذلك وتدبر. وأخرج أبو يعلى ويوسف القاضي في سننه ، وأبو الحسن القطان في المطولات ، وابن السني في عمل اليوم والليلة ، وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال : «سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قول الله تعالى : له مقاليد السماوات والأرض فقال : لا إله إلا الله والله أكبر سبحانه الله والحمد لله استغفر الله الذي لا إله إلا هو الأول والآخر والظاهر والباطن يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير» الحديث.
وفي رواية ابن مردويه عن ابن عباس أن عثمان جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال له : أخبرني عن مقاليد السماوات والأرض فقال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الأول والآخر