الالتفات. (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) عطف على قوة أي وأشد آثارا في الأرض مثل القلاع المحكمة والمدائن الحصينة ، وقد حكى الله تعالى عن قوم منهم أنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتا.
وجوز كونه عطفا على (أَشَدَّ) بتقدير محذوف أي وأكثر آثارا فتشمل الآثار القوية وغيرها ، وهو ارتكاب خلاف المتبادر من غير حاجة يعتد بها ، وقيل : المراد بهذه الآثار آثار أقدامهم في الأرض لعظم أجرامهم وليس بشيء أصلا (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) أي وليس لهم واق من الله تعالى يقيهم ويمنع عنهم عذابه تعالى أبدا ، فكان للاستمرار والمراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار ، ومن الثانية زائدة ومن الأولى متعلقة بواق ، وقدم الجار والمجرور للاهتمام والفاصلة لأن اسم الله تعالى قيل : لم يقع مقطعا للفواصل. وجوز أن تكون من الأولى للبدلية أي ما كان لهم بدلا من المتصف بصفات الكمال واق وأريد بذلك شركاؤهم ، وأن تكون ابتدائية تنبيها على أن الأخذ في غاية العنف لأنه إذا لم يبتدئ من جهته سبحانه واقية لم يكن لهم باقية (ذلِكَ) الأخذ (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنهم (كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات والأحكام الواضحة (فَكَفَرُوا) ريثما أتتهم رسلهم بذلك (فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌ) متمكن مما يريده عزوجل غاية التمكن (شَدِيدُ الْعِقابِ) لا يعتد بعقاب عند عقابه سبحانه ، وهذا بيان للإجمال في قوله تعالى : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) إن كانت الباء هناك سببية وبيان لسبب الأخذ إن كانت للملابسة أي أخذهم ملابسين لذنوبهم غير تائبين عنها فتأمل (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) وهي معجزاته عليهالسلام (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) حجة قاهرة ظاهرة ، والمراد بذلك قيل ما أريد بالآيات ونزل تغاير الوصفين منزلة تغاير الذاتين فعطف الثاني على الأول ، وقيل : المراد به بعض من آياته له شأن كالعصا ، وعطف عليها تفخيما لشأنه كما عطف جبريل وميكال عليهماالسلام على الملائكة.
وتعقب بأن مثله إنما يكون إذا غير الثاني بعلم أو نحوه أما مع إبهامه ففيه نظر ، وحكى الطبرسي أن المراد بالآيات حجج التوحيد وبالسلطان المعجزات الدالة على نبوته عليهالسلام ، وقيل الآيات المعجزات والسلطان ما أوتيه عليهالسلام من القوة القدسية وظهورها باعتبار ظهور آثارها من الإقدام على الدعوة من غير اكتراث. وقرأ عيسى «سلطان» بضم اللام (إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ) وزير فرعون ، وزعم اليهود أنه لم يكن لفرعون وزير يدعى هامان وإنما هامان ظالم جاء بعد فرعون بزمان مديد ودهر داهر نفي جاءهم من اختلال أمر كتبهم وتواريخ فرعون لطول العهد وكثرة المحن التي ابتلوا بها فاضمحلت منها أنفسهم وكتبهم.
(وَقارُونَ) قيل هو الذي كان من قوم موسى عليهالسلام ، وقيل : هو غيره وكان مقدم جنود فرعون ، وذكرهما من بين أتباع فرعون لمكانتهما في الكفر وكونهما أشهر الأتباع.
وفي ذكر قصة الإرسال إلى فرعون ومن معه وتفصيل ما جرى تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وبيان لعاقبة من هو أشد الذين كانوا من قبل وأقربهم زمانا ولذا خص ذلك بالذكر ، ولا بعد في كون فرعون وجنوده أشد من عاد (فَقالُوا ساحِرٌ) أي هو يعنون موسى عليهالسلام ساحر فيما أظهر من المعجزات (كَذَّابٌ) في دعواه أنه رسول من رب العالمين (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا) وبلغهم أمر الله تعالى غير مكترث بقولهم ساحر كذاب (الُوا) غيظا وحنقا وعجزا عن المعارضة (اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) أي أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلونه بهم أولا كي تصدوهم عن مظاهرة موسى عليهالسلام ، فالأمر بالقتل والاستحياء وقع مرتين. المرة الأولى حين أخبرت الكهنة والمنجمون في قول فرعون بمولود من بني إسرائيل يسلبه ملكه ، والمرة الثانية هذه ، وضمير (قالُوا) لفرعون ومن معه.