أن لسانه وقلبه متواطئان على ما يقول ، وقد كذب عدو الله فقد كان مستشعرا للخوف الشديد من جهة موسى عليهالسلام لكنه كان يتجلد ولو لا استشعاره لم يستشر أحدا ، وعن معاذ بن جبل والحسن أنهما قرءا «الرّشاد» بشد الشين على أنه فعال للمبالغة من رشد بالكسر كعلام من علم أو من رشد بالفتح كعباد من عبد.
وقيل : هو من أرشد المزيد كجبار من أجبر ، وتعقب بأن فعالا لم يجىء من المزيد إلا في عدة أحرف نحو جبار ودراك وقصار وسار ولا يحسن القياس على القليل مع أنه ثبت في بعضه كجبار سماع الثلاثي فلا يتعين كونه من المزيد فقد جاء جبره على كذا كأجبره وقصار كجبار عند بعض لا يتعين كونه من أقصر لمجيء قصر عن الشيء كأقصر عنه ، وحكي عن الجوهري أن الإقصار كف مع قدرة والقصر كف مع عجز فلا يتم هذا عليه ، وأما دراك وسآر فقد خرجا على حذف الزيادة تقديرا لا استعمالا كما قالوا : أبقل المكان فهو باقل وأورس الرمث فهو وارس ، قال ابن جني : وعلى هذا خرج الرشاد فيكون من رشد بمعنى أرشد تقديرا لا استعمالا فإن المعنى على ذلك ، ثم قال : فإن قيل إذا كان المعنى على أرشد فكيف أجزت أن يكون من رشد المكسور أو من رشد المفتوح؟ قيل : المعنى راجع إلى أنه مرشد لأنه إذا رشد أرشد لأن الإرشاد من الرشد فهو من باب الاكتفاء بذكر السبب عن المسبب انتهى ، وقيل : أجيز ذلك لأن المبالغة في الرشد تكون بالإرشاد كما قرروا في قيوم وطهور.
وقال بعض المحققين : إن رشد بمعنى اهتدى فالمعنى ما أهديكم إلا سبيل من اهتدى وعظم رشده فلا حاجة إلى ما سمعت ، وإنما يحتاج إليه لو وجب كون المعنى ما أهديكم إلا سبيل من كثر إرشاده ومن أين وجب ذلك؟ وجوز كون فعال في هذه القراءة للنسبة كما قالوا : عواج لبياع العاج وبتات لبياع البت وهو كساء غليظ ، وقيل : طيلسان من خز أو صوف ، وأنكر بعضهم كون القراءة على صيغة فعال في كلام فرعون وإنما هي في قول الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ، فإن معاذ بن جبل كان كما قال أبو الفضل الرازي وأبو حاتم يفسر (سَبِيلَ الرَّشادِ) على قراءته بسبيل الله تعالى وهو لا يتسنى في كلام فرعون كما لا يخفى ، وستعلم إن شاء الله تعالى أن معاذا قرأ كذلك في قول المؤمن فلعل التفسير بسبيل الله عزوجل كان فيه دون كلام فرعون والله تعالى أعلم.
(وَقالَ الَّذِي آمَنَ) الجمهور على أنه الرجل المؤمن الكاتم إيمانه القائل : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) قوى الله تعالى نفسه وثبت قلبه فلم يهب فرعون ولم يعبأ به فأتى بنوع آخر من التهديد والتخويف فقال : (يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) إلى آخره ، وقالت فرقة : كلام ذلك المؤمن قد تم ، والمراد بالذي آمن هنا هو موسى نفسه عليهالسلام ، واحتجت بقوة كلامه ، وعلى الأول المعول أي قال ناصحا لقومه : يا قوم إني أخاف عليكم في تكذيب موسى عليهالسلام والتعرض له بالسوء أن يحل بكم مثل ما حل بالذين تحزبوا على أنبيائهم من الأمم الماضية ، واليوم واحد الأيام بمعنى الوقائع وقد كثر استعمالها بذلك حتى صار حقيقة عرفية أو بمعناها المعروف لغة ، والكلام عليه على حذف مضاف أي مثل حادث يوم الأحزاب.
وأيا ما كان فالظاهر جمع اليوم لكن جمع الأحزاب المضاف هو إليه مع التفسير بما بعد أغنى عن جمعه ، والمعنى عليه ورجح الأفراد بالخفة والاختصار ، وقال الزجاج : المراد يوم حزب حزب بمعنى أن جمع حزب مراد به شمول أفراده على طريق البدل وهو تأويل في الثاني وما تقدم أظهر.
(مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ) أي مثل جزاء دأبهم أي عادتهم الدائمة من الكفر وإيذاء الرسل ، وقدر المضاف لأن المخوف في الحقيقة جزاء العمل لا هو ، وجاء هذا من نصب (مِثْلَ) الثاني على أنه عطف بيان لمثل الأول لأن آخر ما تناولته الإضافة قوم نوح ، ولو قلت : أهلك الله الأحزاب قوم نوح وعاد وثمود لم يكن إلا عطف بيان