ويجوز أن يكون الشك في رسالته على حاله وبتهم إنما هو بتكذيب رسالة غيره من بعده ، وقيل : يحتمل أن يكونوا أظهروا الشك في حياته حسدا وعنادا فلما مات عليهالسلام أقروا بها وأنكروا أن يبعث الله تعالى من بعده رسولا وهو خلاف الظاهر ، ومجيء يوسف بن يعقوب عليهماالسلام المخاطبين بالبينات قيل : من باب نسبة أحوال الآباء إلى الأولاد وكذلك نسبة الأفعال الباقية إليهم ، وجوز كون بعض الذين جاءهم يوسف عليهالسلام حقيقة حيا ؛ ففي بعض التواريخ أن وفاة يوسف عليهالسلام قبل مولد موسى عليهالسلام بأربع وستين سنة فيكون من نسبة حال البعض إلى الكل ، واستظهر في البحر أن فرعون يوسف عليهالسلام هو فرعون موسى عليهالسلام ، وذكر عن أشهب عن مالك أنه بلغه أنه عمر أربعمائة وأربعين سنة ، والذي ذكره أغلب المؤرخين أن فرعون موسى اسمه الريان وفرعون يوسف اسمه الوليد.
وذكر القرطبي أن فرعون الأول من العمالقة وهذا قبطي ، وفرعون يوسف عليهالسلام مات في زمنه ، واختار القول بتغايرهما ، وأمر المجيء وما معه من الأفعال على ما سمعت ، وقيل : المراد بيوسف المذكور هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف الصديق أرسله الله تعالى نبيا فأقام فيهم عشرين سنة وكان من أمرهم ما قص الله عزوجل. ومن الغريب جدا ما حكاه النقاش والماوردي أن يوسف المذكور في هذه السورة من الجن بعثه الله تعالى رسولا إليهم ، نقله الجلال السيوطي في الإتقان ولا يقبله من له أدنى إتقان. نعم القول بأن للجن نبيا منهم اسمه يوسف أيضا مما عسى أن يقبل كما لا يخفى.
وقرئ «ألن يبعث» بإدخال همزة الاستفهام على حرف النفي كأن بعضهم يقرر بعضا على نفي البعثة.
(كَذلِكَ) أي مثل ذلك الإضلال الفظيع (يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) في العصيان (مُرْتابٌ) في دينه شاك فيما تشهد به البينات لغلبة الوهم والانهماك في التقليد (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) من الموصول الأول ـ أعني من ـ أو بيان أو صفة له باعتبار معناه كأنه قيل : كل مسرف مرتاب أو المسرفين المرتابين ، وجوز نصبه بأعني مقدرا ، وقوله تعالى شأنه : (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) على الأوجه المذكورة متعلق ـ بيجادلون ـ وقوله سبحانه : (أَتاهُمْ) صفة (سُلْطانٍ) والمراد بإتيانه إتيانه من جهته سبحانه وتعالى إما على أيدي الرسل عليهمالسلام فيكون ذاك إشارة إلى الدليل النقلي ، وإما بطريق الإفاضة على عقولهم فيكون ذاك إشارة إلى الدليل العقلي ، وقد يعمم فيكون المعنى يجادلون بغير حجة صالحة للتمسك بها أصلا لا عقلية ولا نقلية.
وقوله سبحانه : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) تقرير لما أشعر به الكلام من ذمهم وفيه ضرب من التعجب والاستعظام ، وفاعل (كَبُرَ) ضمير راجع إلى الجدال الدال عليه (يُجادِلُونَ) على نحو من كذب كان شرا له أي كبر الجدال في آيات الله بغير حجة مقتا عند الله إلخ ، أو إلى الموصول الأول وأفرد رعاية للفظه ، واعترض عليه بأنه حمل على اللفظ من بعد الحمل على المعنى ، وأهل العربية يجتنبونه.
وقال صاحب الكشف : هذا شيء نقله ابن الحاجب ولم يساعده غيره وهو غير مسلم أي كبر المسرف المرتاب المجادل في آيات الله بغير حجة مقتا أي كبر مقته وعظم عند الله تعالى وعند المؤمنين (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الطبع الفظيع (يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) فيصدر عنه أمثال ما ذكر من الإسراف والارتياب والمجادلة بغير حق ؛ وجوز أن يكون (الَّذِينَ) مبتدأ وجملة (كَبُرَ) خبره لكن على حذف مضاف هو المخبر عنه حقيقة أي جدال الذين يجادلون كبر مقتا ، وأن يكون (الَّذِينَ) مبتدأ على حذف المضاف و (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) خبر المضاف المقدر أي جدال الذين يجادلون في آيات الله تعالى كائن بغير سلطان ، وظاهر كلام البعض أن (الَّذِينَ)