متفاوت الإفراد في نفسه فادفع بأحسن الحسنتين السيئ والأسوأ ، وترك الفاء للاستئناف الذي ذكرنا وهو أقوى الوصلين ولعل الأول أقرب (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) بيان لنتيجة الدفع المأمور به أي فإذا فعلت ذلك صار عدوك المشاق مثل الولي الشفيق. قال ابن عطية : دخلت (كأن) المفيدة للتشبيه لأن العدو لا يعود وليا حميما بالدفع بالتي هي أحسن وإنما يحسن ظاهره فيشبه بذلك الولي الحميم ؛ ولعل ذلك من باب الاكتفاء بأقل اللازم وهذا بالنظر إلى الغالب وإلا فقد تزول العداوة بالكلية بذلك كما قيل :
إن العداوة تستحيل مودة |
|
بتدارك الهفوات بالحسنات |
و (الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ) أبلغ من عدوك ولذا اختير عليه مع اختصاره ، والآية قيل : نزلت في أبي سفيان ابن حرب كان عدوا مبينا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فصار عند أهل السنة وليا مصافيا وكأن ما عنده انتقل إلى ولد ولده يزيد عليه من الله عزوجل ما يستحق (وَما يُلَقَّاها) أي ما يلقى ويؤتى هذه الفعلة والخصلة الشريفة التي هي الدفع بالتي هي أحسن فالضمير راجع لما يفهم من السياق ، وجوز رجوعه للتي هي أحسن ، وحكى مكي أن الضمير لشهادة أن لا إله إلا الله فكأنه أرجع للتي هي أحسن وفسرت بالشهادة المذكورة ومع هذا هو كما ترى ، وقيل : الضمير للجنة وليس بشيء.
وقرأ طلحة وابن كثير في رواية «وما يلاقاها» من الملاقاة (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) أي الذين فيهم طبيعة الصبر وشأنهم ذلك (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) ذو نصيب عظيم من خصال الخير وكمال النفس كما روي عن ابن عباس ، وقال قتادة : ذو حظ عظيم من الثواب ، وقيل : الحظ العظيم الجنة ، وعليهما فهو وعد وعلى الأول هو مدح ، وكرر (وَما يُلَقَّاها) تأكيدا لمدح تلك الفعلة الجميلة الجليلة ولأوحد أهل عصره الذي بخل الزمان أن يأتي بمثله صالح أفندي كاتب ديوان الإنشاء في الحدباء في هذه الآية عبارة مختصرة التزم الدقة فيها رحمة الله تعالى عليه وهي قوله تعالى : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) الآية يمكن أن يؤخذ من الأول ما هو من أول الأول لا الثاني للاتفاق فيتحقق الأشرف بعد إعطاء المقام حقه فيتحقق الحابس أنه مجدود فيقف عند الحد المحدود انتهت.
وأراد والله تعالى أعلم أنه يمكن أن يؤخذ من الأول أي قوله تعالى : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) ومن الثاني وهو قوله سبحانه : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) ما أي شكل هو من أول ضروب الشكل الأول الأربعة وهو قياس منه مركب من موجبتين كليتين ينتج موجبة كلية بأن يقال : كل صابر هو الذي يلقاها وكل من يلقاها فهو ذو حظ عظيم ينتج كل صابر هو ذو حظ عظيم ، ولا يمكن أن يؤخذ قياس من الشكل الثاني للاتفاق في الكيف وشرط الشكل الثاني اختلاف المقدمتين فيه كما هو مقرر في محله فيتحقق بعد الأخذ وتركيب المقدمتين الأمر الأشرف أي النتيجة التي هي موجبة كلية وهي أشرف المحصورات الأربع لاشتمالها على الإيجاب الأشرف من السلب والكلية الأشرف من الجزئية بعد إعطاء المقام حقه من جعل الموصول للاستغراق كما أشير إليه ليفيد الكلية فعند ذلك يتحقق ويعلم الحابس أي الصابر أنه مجدود أي ذو جد وحظ فيقف عند الحد المحدود ولا يتجاوز من الصبر إلى غيره فافهم.
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦) وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي