ضمير ما في الخبر أو منها على القول بجواز مجيء الحال من المبتدأ أي ولهم مرادهم خالصا.
(وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ)(٧١)
(وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) أي انفردوا عن المؤمنين إلى مصيركم من النار. وأخرج عبد بن حميد وغيره عن قتادة أي اعتزلوا عن كل خير ، وعن الضحاك لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى أي على خلاف ما للمؤمنين من الاجتماع مع من يحبون ، ولعل هذا بعد زمان من أول دخولهم فلا ينافي عتاب بعضهم بعضا الوارد في آيات أخر كقوله تعالى (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ) [غافر : ٤٧] ويحتمل أنه أراد لكل صنف كافر كاليهود والنصارى ، وجوز الإمام كون الأمر أمر تكوين كما في (كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة : ١١٧ ، وغيرها] على معنى أن الله تعالى يقول لهم ذلك فتظهر عليهم سيماء يعرفون بها كما قال سبحانه (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) [الرحمن : ٤١] ولا يخفى بعده ، والجملة عطفا ما على الجملة السابقة المسوقة لبيان أحوال أصحاب الجنة من عطف القصة على القصة فلا يضر التخالف إنشائية وخبرية ، وكأن تغيير السبك لتخييل كمال التباين بين الفريقين وحاليهما ، وإما على مضمر ينساق إليه حكاية حال أصحاب الجنة كأنه قيل إثر بيان كونهم في شغل عظيم الشأن وفوزهم بنعيم مقيم يقصر عنه البيان فليقروا بذلك عينا وامتازوا عنهم أيها المجرمون.
قال أبو السعود ، وقال الخفاجي : يجوز أن يكون بتقدير ويقال امتازوا على أنه معطوف على يقال المقدر العامل في قولا وهو أقرب وأقل تكلفا لأن حذف القول وقيام معموله مقامه كثير حتى قيل فيه هو البحر حدث عنه ولا حرج ، وفيه بحث يظهر بأدنى تأمل ، وقيل : إن المذكور من قوله تعالى (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ) إلى هنا تفصيل للمجمل السابق أعني قوله تعالى : (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وبني عليه أن المعطوف عليه متضمن لمعنى الطلب على معنى فليمتز المؤمنون عنكم يا أهل المحشر إلى الجنة وامتازوا عنهم إلى النار ، وتعقبه في الكشف بأنه ليس بظاهر إذ بأحد الأمرين غنية عن الآخر ثم قال : والوجه أن المقصود عطف جملة قصة أصحاب النار على جملة قصة أصحاب الجنة وأوثرها هنا الطلب زيادة للتهويل والتعنيف ألا ترى إلى قوله تعالى (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ) وإن كان لا بد من التضمين فالمعطوف أولى بأن يجعل في معنى الخبر على معنى وأن المجرمون ممتازون منفردون.
وفائدة العدول ما في الخطاب والطلب من النكتة اه ، وما ذكره من حديث أغناه أحد الأمرين عن الآخر سهل لكون الأمر تقديريا مع أن الامتياز الأول على وجه الإكرام وتحقيق الوعد والآخر على وجه الإهانة وتعجيل الوعيد