وتعقبه أبو حيان بأنه يلزم عليه زيادة (مِنْ) في المعرفة ، ومن هنا قيل الأولى جعلها نكرة موصوفة ، وأجيب بأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع ، ولا يخفى أن هذا لا يدفع بعده ، ومن أبعد ما يكون قول أبي البقاء : يجوز أن تكون ما زائدة أي وقد كنا منزلين على غيرهم جندا من السماء بل هو ليس بشيء ، وإن نافية وكان ناقصة واسمها مضمر و (صَيْحَةً) خبرها أي ما كانت هي أي الأخذة أو العقوبة إلا صيحة واحدة ، روي أن الله تعالى بعث عليهم جبريل عليهالسلام حتى أخذ بعضادتي باب المدينة فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا جميعا
، وإذا فجائية وفيها إشارة إلى سرعة هلاكهم بحيث كان مع الصيحة ، وقد شبهوا بالنار على سبيل الاستعارة المكنية والخمود تخييل ، وفي ذلك رمز إلى أن الحي كشعلة النار والميت كالرماد كما قال لبيد :
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه |
|
يحور رمادا بعد إذ هو ساطع |
ويجوز أن تكون الاستعارة تصريحية تبعية في الخمود بمعنى البرودة والسكون لأن الروح لفزعها عند الصيحة تندفع إلى الباطن دفعة واحدة ثم تنحصر فتنطفئ الحرارة الغريزية لانحصارها ، ولعل في العدول عن هامدون إلى (خامِدُونَ) رمزا خفيا إلى البعث بعد الموت ، والظاهر أنه لم يؤمن منهم سوى حبيب وإنهم هلكوا عن آخرهم ، وفي بعض الآثار أنه آمن الملك وآمن قوم من حواشيه ومن لم يؤمن هلك بالصيحة ، وهذا بعيد فإنه كان الظاهر أن يظاهر أولئك المؤمنون الرسل كما فعل حبيب ولكان لهم في القرآن الجليل ذكر ما بوجه من الوجوه اللهم إلا أن يقال : إنهم آمنوا خفية وكان لهم ما يعذرون به عن المظاهرة ، ومع هذا لا يخلو بعد عن بعد ، وقرأ أبو جعفر وشيبة ومعاذ بن الحارث القارئ «صيحة» بالرفع على أن كان تامة أي ما حدثت ووقعت إلا صيحة وينبغي أن لا تلحق الفعل تاء التأنيث في مثل هذا التركيب فلا يقال ما قامت إلا هند بل ما قام إلا هند لأن الكلام على معنى ما قام أحد إلا هند والفاعل فيه مذكر ، ولم يجوز كثير من النحويين الإلحاق إلا في الشعر كقول ذي الرمة :
طوى النحز والأجراز ما في غروضها |
|
وما بقيت إلا الضلوع الجراشع |
وقول الآخر :
ما برئت من ريبة وذم |
|
في حربنا إلا بنات العم |
ومن هنا أنكر الكثير كما قال أبو حاتم هذه القراءة ، ومنهم من أجاز ذلك في الكلام على قلة كما في قراءة الحسن ومالك بن دينار وأبي رجاء والجحدري وقتادة وأبي حيوة وابن أبي عبلة وأبي بحرية «لا ترى إلّا مساكنهم» بالتاء الفوقية ، ووجهه مراعاة الفاعل المذكور ، وكأني بك تميل إلى هذا القول ، وقرأ ابن مسعود «إلا زقية» من زقى الطائر يزقو ويزقى زقوا وزقاء إذا صاح ، ومنه المثل أثقل من الزواقي وهي الديكة لأنهم كانوا يسمرون إلى أن تزقوا فإذا صاحت تفرقوا (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) الحسرة على ما قال الراغب الغم على ما فات والندم عليه كأن المتحسر انحسر عنه قواه من فرط ذلك أو أدركه اعياء عن تدارك ما فرط منه ، وفي البحر هي أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية بعده حتى يبقى حسيرا ، والظاهر أن (يا) للنداء و (حَسْرَةً) هو المنادى ونداؤها مجاز بتنزيلها منزلة العقلاء كأنه قيل : يا حسرة احضري فهذه الحال من الأحوال التي من حقها أن تحضري فيها وهي ما دل عليها قوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) والمراد بالعباد مكذبو الرسل ويدخل فيهم المهلكون المتقدمون دخولا أوليا ، وقيل : هم المراد وليس بذاك وبالحسرة المناداة حسرتهم والمستهزءون بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين أحقاء بأن يتحسروا على أنفسهم حيث فوتوا عليها السعادة الأبدية وعوضوها العذاب المقيم ، ويؤيد هذا قراءة ابن عباس وأبي وعلي بن الحسين والضحاك ومجاهد والحسن «يا حسرة العباد» بالإضافة ،