بعقابه عزوجل حتى اجترأتم على الإفك عليه تعالى ولم تخافوا ، وكان قومه عليهالسلام يعظمون الكواكب المعروفة ويعتقدون السعود والنحوس والخير والشر في العالم منها ويتخذون لكل كوكب منها هيكلا ويجعلون فيها أصناما تناسب ذلك الكوكب بزعمهم ويجعلون عبادتها وتعظيمها ذريعة إلى عبادة تلك الكواكب واستنزال روحانياتها وكانوا يستدلون بأوضاعها على الحوادث الكونية عامة أو خاصة فاتفق أنّ دنا يوم عيد لهم يخرجون فيه فأرسل ملكهم إلى إبراهيم عليهالسلام أن غدا عيدنا فاحضر معنا فاستشعر حصول الفرصة لحصول ما عسى أن يكون سببا لتوحيدهم فأراد أن يعتذر عن الحضور على وجه لا ينكرونه عليه (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) أي فتأمل نوعا من التأمل في أحوالها وهو في نفس الأمر على طرز تأمل الكاملين في خلق السماوات والأرض وتفكرهم في ذلك إذ هو اللائق به عليهالسلام لكنه أوهمهم أنه تفكر في أحوالها من الاتصال والتقابل ونحوهما من الأوضاع التي تدل بزعمهم على الحوادث ليرتب عليه ما يتوصل به الى غرضه الذي يكون وسيلة الى إنقاذهم مما هم فيه ، والظاهر بعد اعتبار الإيهام أنه إيهام التفكر في احكام طالع ولادته عليهالسلام وما يدل عليه بزعمهم ما تجدد له من الأوضاع في ذلك الوقت ، وهذا من معاريض الأفعال نظير ما وقع في قصة يوسف عليهالسلام من تفتيش أوعية اخوته بني علاته قبل وعاء شقيقه فإن المفتش بدأ بأوعيتهم مع علمه أن الصاع ليس فيها وأخر تفتيش وعاء أخيه مع علمه بأنه فيها تعريضا بأنه لا يعرف في أي وعاء هو ونفيا للتهمة عنه لو بدأ بوعاء الأخ (فَقالَ) أي لهم (إِنِّي سَقِيمٌ) أراد أنه سيسقم ولقد صدق عليهالسلام فإن كل إنسان لا بد أن يسقم وكفى باعتلال المزاج أول سريان الموت في البدن سقاما ، وقيل أراد مستعد للسقم الآن أو خارج المزاج عن الاعتدال خروجا قل من يخلو عنه أو سقيم القلب لكفر كم والقوم توهموا أنه أراد قرب اتصافه بسقم لا يستطيع معه الخروج معهم إلى معيدهم ، وهو على ما روي عن سفيان وابن جبير سقم الطاعون فإنهما فسرا (سَقِيمٌ) بمطعون وكان كما قيل أغلب الأسقام عليهم وكانوا شديدي الخوف منه لاعتقادهم العدوى فيه ، وهذا وكذا قوله عليهالسلام (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) [الأنبياء : ٦٣] وقوله في زوجته سارة هي أختي من معاريض الأقوال كقول نبينا صلىاللهعليهوسلم لمن قال له في طريق الهجرة : ممن الرجل؟ من ماء حيث أراد عليه الصلاة والسلام ذكر مبدأ خلقه ففهم السائل أنه بيان قبيلته وكقول صاحبه الصديق وقد سئل عنه عليه الصلاة والسلام في ذاك أيضا : هو هاد يهديني حيث أراد شيئا وفهم السائل آخر ولا يعد ذلك كذبا في الحقيقة.
وتسميته به في بعض الأحاديث الصحيحة بالنظر لما فهم الغير منه لا بالنسبة إلى ما قصده المتكلم وجعله ذنبا في حديث الشفاعة قيل لأنه ينكشف لإبراهيم عليهالسلام أنه كان منه خلاف الأولى لا أن كل تعريض هو كذلك فإنه قد يجب والإمام لضيق محرابه ومجاله ينكر الحديث الوارد في ذلك وهو في الصحيحين ويقول : إسناد الكذب إلى راويه أهون من إسناده إلى الخليل عليهالسلام ، وقد مر الكلام في ذلك ، وقيل : كانت له عليهالسلام حمى لها نوبة معينة في بعض ساعات الليل فنظر ليعرف هل هي تلك الساعة فإذا هي قد حضرت فقال لهم أبي سقيم ، وليس بشيء من ذلك من المعاريض ، ونحوه ما أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال : أرسل إليه عليهالسلام ملكهم فقال : إن غدا عيدنا فاخرج معنا فنظر إلى نجم فقال : إن ذا النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقم لي.
وأنت تعلم أن النظر المعدى بفي بمعنى التأمل والتفكر والنظر المشار إليه لا يحتاج إلى تفكر ، وعن أبي مسلم أن المعنى نظر وتفكر في النجوم ليستدل بأحوالها على حدوثها وأنها لا تصلح أن تكون آلهة فقال : إني سقيم أي سقيم النظر حيث لم يحصل له كمال اليقين انتهى ، وهذا لعمري يسلب فيما أرى عن أبي مسلم الإسلام وفيه من الجهل بمقام الأنبياء لا سيما الخليل عليه وعليهمالسلام ما يدل على سقم نظره نعوذ بالله تعالى من خذلانه ومكره.