يا رسول الله؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام : الثانية (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) فقلت : وإن زنى وإن سرق؟ فقال الثالثة : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) فقلت وإن زنى وإن سرق؟ قال : نعم وإن رغم أنف أبي الدرداء» وأخرج الطبراني وابن مردويه من طريق الجريري عن أخيه قال : سمعت محمد بن سعد يقرأ ـ ولمن خاف مقام ربه جنتان وإن زنى وإن سرق ـ فقلت : ليس فيه وإن زنى وإن سرق فقال : سمعت أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه يقرؤها كذلك فأنا أقرؤها كذلك حتى أموت ، وصرح بعضهم أن المراد بالخوف في الآية أشده فتأمل. وجاء في شأن هاتين الجنتين من حديث عياض بن غنم مرفوعا «إن عرض كل واحدة منهما مسيرة مائة عام» والآية على ما روي عن ابن الزبير وابن شوذب نزلت في أبي بكر.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن عطاء أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ذكر ذات يوم وفكر في القيامة والموازين والجنة والنار وصفوف الملائكة وطي السماوات ونسف الجبال وتكوير الشمس وانتثار الكواكب فقال : وددت أني كنت خضرا من هذه الخضر تأتي عليّ بهيمة فتأكلني وأني لم أخلق فنزلت (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* ذَواتا أَفْنانٍ) صفة لجنتان وما بينهما اعتراض وسط بينهما تنبيها على أن تكذيب كل من الموصوف والصفة موجب للإنكار والتوبيخ ، وجوز أن يكون خبر مبتدأ مقدر أي هما ذواتا ، وأيا ما كان فهو تثنية ـ ذات ـ بمعنى صاحبة فإنه إذا ثنى فيه لغتان ذاتا على لفظه وهو الأقيس كما يثنى مذكره ذوا ، والأخرى (ذَواتا) برده إلى أصله فإن التثنية ترد الأشياء إلى أصولها ، وقد قالوا :
أصل ذات ذوات لكن حذفت الواو تخفيفا ؛ وفرقا بين الواحد والجمع ودلت التثنية ورجوع الواو فيها على أصل الواحد وليس هو تثنية الجمع كما يتوهم وتفصيله في باب التثنية من شرح التسهيل ، والأفنان إما جمع فن بمعنى النوع ولذا استعمل في العرف بمعنى العلم أي ذواتا أنواع من الأشجار والثمار ، وروي ذلك عن ابن عباس وابن جبير والضحاك وعليه قول الشاعر :
ومن كل أفنان اللذاذة والصبا |
|
لهوت به والعيش أخضر ناضر |
وإما جمع فنن وهو ما دق ولان من الأغصان كما قال ابن الجوزي ، وقد يفسر بالغصن ، وحمل على التسامح وتخصيصها بالذكر مع أنها ذواتا قصب وأوراق وثمار أيضا لأنها هي التي تورق وتثمر. فمنها تمتد الظلال ومنها تجنى الثمار ففي الوصف تذكير لهما فكأنه قيل : (ذَواتا) ثمار وظلال لكن على سبيل الكناية هو أخصر وأبلغ ، وتفسيره بالأغصان على أنه جمع فنن مروي عن ابن عباس أيضا ، وأخرجه ابن جرير عن مجاهد قال أبو حيان : وهو أولى لأن أفعالا في فعل أكثر منه في فعل بسكون العين كفن ، ويجمع هو على فنون.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) صفة أخرى لجنتان أو خبر ثان للمبتدإ المقدر أي في كل منهما عين تجري بالماء الزلال تسمى إحدى العينين بالتسنيم ، والأخرى بالسلسبيل ، وروي هذا عن الحسن ، وقال عطية العوفي : (عَيْنانِ) إحداهما من ماء غير آسن ، والأخرى من خمر لذة للشاربين ، وقيل : (عَيْنانِ) من الماء (تَجْرِيانِ) حيث شاء صاحبهما من الأعالي والأسافل من جبل من مسك ، وعن ابن عباس (عَيْنانِ) مثل الدنيا أضعافا مضاعفة (تَجْرِيانِ) بالزيادة والكرامة على أهل الجنة.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) صنفان معروف وغريب لم يعرفوه في الدنيا ، أو رطب ويابس ولا يقصر يابسه عن رطبه في الفضل والطيب ، وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : قال ابن عباس في هذه الآية : ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل ، ونقل هذا