أن فسر الواقعة بالصيحة قال : خافضة تخفض قوتها لتسمع الأدنى (رافِعَةٌ) ترفعها لتسمع الأقصى ، وروي ذلك أيضا عن ابن عباس وعكرمة ، وقدر أبو علي المبتدأ مقرونا بالفاء أي فهي (خافِضَةٌ) وجعل الجملة جواب إذا فكأنه قيل : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) خفضت قوما ورفعت آخرين ، وقرأ زيد بن علي والحسن وعيسى وأبو حيوة وابن أبي عبلة وابن مقسم والزعفراني واليزيدي في اختياره «خافضة رافعة» بنصبهما ، ووجهه أن يجعلا حالين عن الواقعة على أن (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) اعتراض أو حالين عن وقعتها ، وقوله سبحانه : (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) أي زلزلت وحركت تحريكا شديدا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبل متعلق ـ بخافضة ـ أو ـ برافعة ـ على أنه من باب الأعمال ، أو بدل من (إِذا وَقَعَتِ) كما قال به غير واحد ، وقال ابن جني وأبو الفضل الرازي : (إِذا رُجَّتِ) في موضع رفع على أنه خبر للمبتدإ الذي هو (إِذا وَقَعَتِ) وليست واحدة منهما شرطية بل هي بمعنى وقت أي وقت وقوعها وقت رج الأرض ، وادعى ابن مالك أن (إِذا) تكون مبتدأ ، واستدل بهذه الآية ، وقال أبو حيان : هو بدل من (إِذا وَقَعَتِ) وجواب الشرط عندي ملفوظ به وهو قوله تعالى : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) والمعنى إذا كان كذا وكذا ، فأصحاب الميمنة ما أسعدهم وما أعظم ما يجازون به أي إن سعادتهم وعظم رتبهم عند الله عزوجل تظهر في ذلك الوقت الشديد الصعب على العالم ، وفيه بعد (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) أي فتت كما قال ابن عباس ومجاهد حتى صارت كالسويق الملتوت من بس السويق إذا لتّه ، وقيل : سيقت وسيرت من أماكنها من بس الغنم إذا ساقها فهو كقوله تعالى : (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) [النبأ : ٢٠].
وقرأ زيد بن علي «رجّت» و «بسّت» بالبناء للفاعل أي ارتجت وتفتتت ، وفي كلام هند بنت الخس تصف ناقة بما يستدل به على حملها : ـ عينها هاج وصلاها راج ، وهي تمشي وتفاج ـ (فَكانَتْ) فصارت بسبب ذلك (هَباءً) غبارا (مُنْبَثًّا) متفرقا ، والمراد مطلق الغبار عند الأكثرين ، وقال ابن عباس : هو ما يثور مع شعاع الشمس إذا دخلت من كوة ، وفي رواية أخرى عنه أنه الذي يطير من النار إذا اضطرمت.
وقرأ النخعي ـ منبتا ـ بالتاء المنطوقة بنقطتين من فوق من البت بمعنى القطع ، والمراد به ما ذكر من الليث بالمثلثة (وَكُنْتُمْ) خطاب للأمة الحاضرة والأمم السالفة تغليبا كما ذهب إليه الكثير ، وقال بعضهم : خطاب للأمة الحاضرة فقط ، والظاهر أن ـ كان ـ أيضا بمعنى صار أي وصرتم (أَزْواجاً) أي أصنافا (ثَلاثَةً) وكل صنف يكون مع صنف آخر في الوجود أو في الذكر فهو زوج ، قال الراغب : الزوج يكون لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة ولكل قرينين فيها ، وفي غيرها كالخف والنعل ، ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا ، وقوله تعالى : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ* وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) تفصيل للأزواج الثلاثة مع الإشارة الإجمالية إلى أحوالهم قبل تفصيلها ، والدائر على ألسنتهم أن أصحاب الميمنة مبتدأ ، وقوله تعالى : (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما) فيه استفهامية مبتدأ ثان و (أَصْحابُ) خبره ، والجملة خبر المبتدأ الأول والرابط الظاهر القائم مقام الضمير ، وكذا يقال في قوله تعالى : (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) إلخ ، والأصل في الموضعين ما هم؟ أي أيّ شيء هم في حالهم وصفتهم فإن (ما) وإن شاعت في طلب مفهوم الاسم والحقيقة لكنها قد تطلب بها الصفة والحال كما تقول ما زيد؟ فيقال : عالم ، أو طبيب فوضع الظاهر موضع الضمير لكونه أدخل في المقصود وهو التفخيم في الأول والتفظيع في الثاني ، والمراد تعجيب السامع من شأن الفريقين في الفخامة والفظاعة كأنه قيل : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) في غاية حسن الحال (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) في نهاية سوء الحال ، وقيل : جملة (ما أَصْحابُ) خبر