زيد بن علي وأبو السمال «سرر» بفتح الراء وهي لغة لبعض تميم ، وكلب يفتحون عين فعل جمع فعيل المضعف نحو سرير (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها) حال من الضمير المستقر في الجار والمجرور أعني على سرر ، وقوله تعالى : (مُتَقابِلِينَ) حال منه أيضا ولك أن تعتبر الحالين متداخلين.
والمراد كما قال مجاهد : لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه وهو وصف لهم بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق ورعاية الآداب وصفاء البواطن ، وقوله تعالى : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ) حال أخرى أو استئناف أي يدور حولهم للخدمة (وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) أي مبقون أبدا على شكل الولدان وحد الوصافة لا يتحولون عن ذلك ، وإلا فكل أهل الجنة مخلد لا يموت ، وقال الفراء وابن جبير : مقرطون بخلدة وهي ضرب من الأقراط قيل : هم أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها ، وروى هذا أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه ، وعن الحسن البصري – واشتهر أنه عليه الصلاة والسلام ـ قال : أولاد الكفار خدم أهل الجنة ـ وذكر الطيبي أنه لم يصح بل صح ما يدفعه : أخرج البخاري وأبو داود والنسائي عن عائشة قالت : توفي صبي فقلت : طوبى له عصفور في الجنة فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : أو لا تدرين أن الله تعالى خلق الجنة وخلق النار فخلق لهذه أهلا ولهذه أهلا ، وفي رواية خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم.
وأخرج أبو داود عنها أنها قالت : قلت : يا رسول الله ذراري المؤمنين فقال من آبائهم فقلت : يا رسول الله بلا عمل قال : الله أعلم بما كانوا عاملين قلت : يا رسول الله فذراري المشركين قال : من آبائهم فقلت : بلا عمل قال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، وقيل : إنهم يمتحنون يوم القيامة فتخرج لهم نار ويؤمرون بالدخول فيها فمن دخلها وجدها بردا وسلاما وأدخل الجنة ، ومن أبى أدخل النار مع سائر الكفار ويروون في ذلك أثرا.
ومن الغريب ما قيل : إنهم بعد الإعادة يكونون ترابا كالبهائم ، وفي الكشف الأحاديث متعارضة في المسألة وكذلك المذاهب ، والمسألة ظنية والعلم عند الله تعالى وهو عزوجل أعلم انتهى ؛ والأكثر على دخولهم الجنة بفضل الله تعالى ومزيد رحمته تبارك وتعالى ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في ذلك (بِأَكْوابٍ) بآنية لا عرا لها ولا خراطيم ، والظاهر أنها الأقداح وبذلك فسرها عكرمة وهي جمع كوب (وَأَبارِيقَ) جمع إبريق وهو إناء له خرطوم قيل : وعروة ، وفي البحر أنه من أواني الخمر ، وأنشد قول عدي بن زيد :
ودعوا بالصبوح يوما فجاءت |
|
قينة في يمينها إبريق |
وفيه أيضا أنه إفعيل من البريق ، وذكر غير واحد أنه معرب ـ آب ريزاى ـ صاب الماء وهو أنسب مما في بعض نسخ القاموس أنه معرب ـ آب ري ـ بلا زاي ، وأيا ما كان فهو ليس مأخوذا من البريق ، نعم الإبريق بمعنى المرأة الحسنة والبراقة والسيف البراق والقوس فيها تلاميع مأخوذ من ذلك ، ولعله يقول بأنه عربي لا معرب ، وأن البريق مما فيه من الخمر والشعراء يصفونها بذلك كقوله :
مشعشعة كأن الحص فيها |
|
إذا ما الماء خالطها سخينا |
أو لأنه غالبا يتخذ مما له نوع بريق كالبلور والفضة (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) أي خمر جارية من العيون كما قال ابن عباس وقتادة أي لم يعصر كخمر الدنيا ، وقيل : خمر ظاهرة للعيون مرئية بها لأنها كذلك أهنأ ، وأفرد الكأس على ما قيل لأنها لا تسمى كأسا إلا إذا كانت مملوءة (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) أي بسببها وحقيقته لا يصدر صداعهم عنها ، والمراد أنهم لا يلحق رءوسهم صداع لأجل خمار يحصل منها كما في خمور الدنيا ، وقيل : لا يفرقون عنها بمعنى لا تقطع عنهم لذتهم بسبب من الأسباب كما تفرق أهل خمر الدنيا بأنواع التفريق.