(إِلَّا قِيلاً) أي قولا فهو مصدر مثله (سَلاماً سَلاماً) بدل من (قِيلاً) كقوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) [مريم : ٦٢] وقال الزجاج : هو صفة له بتأويله بالمشتق أي سالما من هذه العيوب أو مفعوله ، والمراد لفظه فلذا جاز وقوعه مفعولا للقول مع إفراده ، والمعنى إلا أن يقول بعضهم لبعض (سَلاماً) ، وقيل : هو مصدر لفعل مقدر من لفظه وهو مقول القول ومفعوله حينئذ أي نسلم سلاما ، والتكرير للدلالة على فشو السلام وكثرته فيما بينهم لأن المراد سلاما بعد سلام ، والاستثناء منقطع وهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم محتمل لأن يكون من الضرب الأول منه ، وهو أن يستثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح له بتقدير دخولها فيها بأن يقدر السلام هنا داخلا فيما قيل فيفيد التأكيد من وجهين ، وأن يكون من الضرب الثاني منه وهو أن يثبت لشيء صفة مدح ويعقب بأداة استثناء يليها صفة مدح أخرى بأن لا يقدر ذلك ، ويجعل الاستثناء من أصله منقطعا فيفيد التأكيد من وجه ، ولو لا ذكر التأثيم ـ على ما قاله السعد ـ جاز جعل الاستثناء متصلا حقيقة لأن معنى السلام الدعاء بالسلامة وأهل الجنة أغنياء عن ذلك فكان ظاهره من قبيل اللغو وفضول الكلام لو لا ما فيه من فائدة الإكرام ، وإنما منع التأثيم الذي هو النسبة إلى الإثم لأنه لا يمكن جعل السلام من قبيله وليس لك في الكلام أن تذكر متعددين ثم تأتي بالاستثناء المتصل من الأول مثل أن تقول : ما جاء من رجل ولا امرأة إلا زيدا ولو قصدت ذلك كان الواجب أن تؤخر ذكر لرجل ، وقرئ ـ سلام سلام ـ بالرفع على الحكاية ، وقوله تعالى : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ) إلخ شروع في بيان تفاصيل شئونهم بعد بيان تفاصيل شئون السابقين «وأصحاب» مبتدأ وقوله : (ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) جملة استفهامية مشعرة بتفخيمهم والتعجيب من حالهم وهي على ما قالوا : إما خبر للمبتدإ ، وقوله سبحانه : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) خبر ثان له ، أو خبر لمبتدإ محذوف أي هم في سدر ، والجملة استئناف لبيان ما أبهم في قوله عزوجل : (ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) من علو الشأن ، وإما معترضة والخبر هو قوله تعالى شأنه : (فِي سِدْرٍ) وجوز أن تكون تلك الجملة في موضع الصفة والخبر هو هذا الجار والمجرور ، والجملة عطف على قوله تبارك وتعالى في شرح أحوال السابقين : (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة : ١١ ، ١٢] أي (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ) المقول فيهم (ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) كائنون (فِي سِدْرٍ) إلخ ، والظاهر أن التعبير بالميمنة فيما مر ، وباليمين هنا للتفنن ، وكذا يقال في المشأمة والشمال فيما بعد ، وقال الإمام : الحكمة في ذلك أن في الميمنة وكذا المشأمة دلالة على الموضع والمكان والأزواج الثلاثة في أول الأمر يتميز بعضهم عن بعض ويتفرقون بالمكان فلذا جيء أولا بلفظ يدل على المكان وفيما بعد يكون التميز والتفرق بأمر فيهم فلذا لم يؤت بذلك اللفظ ثانيا ، والسدر شجر النبق ، والمخضود الذي خضد أي قطع شوكه ، أخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أمامه قال : «كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقولون : إن الله تعالى ينفعنا بالأعراب ومسائلهم أقبل أعرابي يوما فقال : يا رسول الله لقد ذكر الله تعالى في القرآن شجر مؤذية وما كنت أرى أن في الجنة شجرة تؤذي صاحبها قال : وما هي؟ قال : السدر فإن له شوكا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أليس الله يقول : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) خضد الله شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة وأن الثمرة من ثمره تفتق عن اثنين وسبعين لونا من الطعام ما فيها لون يشبه الآخر».
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وقتادة وعكرمة والضحاك أنه الموقر حملا على أنه في خضد الغصن إذا ثناه وهو رطب فمخضود مثنى الأغصان كني به عن كثير الحمل.
وقد أخرج ابن المنذر عن يزيد الرقاشي أن النبقة أعظم من القلال والظرفية مجازية للمبالغة في تمكنهم من التنعم والانتفاع بما ذكر (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) قد نضد حمله من أسفله إلى أعلاه ليست له ساق بارزة وهو شجر الموز