كما أخرج ذلك عبد الرزاق وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه ، وأخرجه جماعة من طرق عن ابن عباس ورواه ابن المنذر عن أبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري وعبد بن حميد عن الحسن ، ومجاهد وقتادة ، وعن الحسن أنه قال : ليس بالموز ولكنه شجر ظله بارد رطب ، وقال السدي : شجر يشبه طلح الدنيا ولكن له ثمر أحلى من العسل ، وقيل : هو شجر من عظام العضاه ، وقيل : شجر أم غيلان وله نوار كثير طيب الرائحة (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) ممتد منبسط لا يتقلص ولا يتفاوت كظل ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ، وظاهر الآثار يقتضي أنه ظل الأشجار.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وغيرهم عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها اقرءوا إن شئتم (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن مردويه عن أبي سعيد قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها وذلك الظل الممدود».
وأخرج ابن أبي حاتم ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق ظلها قدر ما يسير الراكب في كل نواحيها مائة عام يخرج إليها أهل الجنة وأهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا فيرسل الله تعالى ريحا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا ؛ وعن مجاهد أنه قال : هذا الظل من سدرها وطلحها ، وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمرو بن ميمون أنه قال : الظل الممدود مسيرة سبعين ألف سنة (وَماءٍ مَسْكُوبٍ) قال سفيان وغيره : جار من غير أخاديد ، وقيل : منساب حيث شاءوا لا يحتاجون فيه إلى سانية ولا رشاء وذكر هذه الأشياء لما أن كثيرا من المؤمنين لبداوتهم تمنوها ، أخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن مجاهد قال : كانوا يعجبون بوج وظلاله من طلحه وسدره فأنزل الله تعالى : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) إلخ ، وفي رواية عن الضحاك «نظر المسلمون إلى وج فأعجبهم سدره وقالوا : يا ليت لنا مثل هذا فنزلت هذه الآية».
وقيل : كأنه لما شبه حال السابقين بأقصى ما يتصور لأهل المدن من كونهم على سرر تطوف عليهم خدامهم بأنواع الملاذ شبه حال أصحاب اليمين بأكمل ما يتصور لأهل البوادي من نزولهم في أماكن مخصبة فيها مياه وأشجار وظلال إيذانا بأن التفاوت بين الفريقين كالتفاوت بين أهل المدن والبوادي ، وذكر الإمام مدعيا أنه مما وفق له أن قوله تعالى : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) من باب قوله سبحانه : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [الشعراء : ٢٨ ، المزمل : ٩] لأن السدر أوراقه في غاية الصغر والطلح يعني الموز أوراقه في غاية الكبر فوقعت الإشارة إلى الطرفين فيراد جميع الأشجار لأنها نظرا إلى أوراقها محصورة بينهما وهو مما لا بأس به ، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه ، وجعفر بن محمد وعبد الله رضي الله تعالى عنهم «وطلع» بالعين بدل (وَطَلْحٍ) بالحاء ، وأخرج ابن الأنباري في المصاحف وابن جرير عن قيس بن عباد قال : قرأت على علي كرم الله تعالى وجهه (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) فقال : ما بال الطلح؟ أما تقرأ وطلع ، ثم قرأ قوله تعالى : (لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) [ق: ١٠] فقيل له : يا أمير المؤمنين أنحكها من المصحف؟ فقال : لا يهاج القرآن اليوم وهي رواية غير صحيحة كما نبه على ذلك الطيبي ، وكيف يقر أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه تحريفا في كتاب الله تعالى المتداول بين الناس ، أو كيف يظنّ بأن نقلة القرآن ورواته وكتابه من قبل تعمدوا ذلك أو غفلوا عنه؟ هذا والله تعالى قد تكفل بحفظه سبحانك هذا بهتان عظيم.
ثم إن الذي يقتضيه النظم الجليل كما قال الطيبي : حمل (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) إلخ على معنى التظليل ،