هذه الآية فإنه أسند الحرث إلى المخاطبين دون الزرع ، وقال القرطبي : إنه يستحب للزارع أن يقول بعد الاستعاذة وتلاوة هذه الآية الله تعالى الزارع والمنبت والمبلغ اللهم صل على محمد وارزقنا ثمره وجنبنا ضرره واجعلنا لأنعمك من الشاكرين ، وقيل : وقد جرب هذا الدعاء لدفع آفات الزرع كلها وإنتاجه (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) هشيما متكسرا متفتتا لشدة يبسه بعد ما أنبتناه وصار بحيث طمعتم في حيازة غلاله (فَظَلْتُمْ) بسبب ذلك (تَفَكَّهُونَ) تتعجبون من سوء حاله إثر ما شاهدتموه على أحسن ما يكون من الحال على ما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ، وقال الحسن : تندمون أي على ما تعبتم فيه ، وأنفقتم عليه من غير حصول نفع ، أو على ما اقترفتم لأجله من المعاصي ، وقال عكرمة : تلاومون على ما فعلتم ، وأصل التفكه التنقل بصنوف الفاكهة واستعير للتنقل بالحديث وهو هنا ما يكون بعد هلاك الزرع وقد كني به في الآية عن التعجب ، أو الندم أو التلاوم على اختلاف التفاسير ، وفي البحر كل ذلك تفسير باللازم ، ومعنى (تَفَكَّهُونَ) تطرحون الفكاهة عن أنفسكم وهي المسرة ، ورجل فكه منبسط النفس غير مكترث بشيء وتفكه من أخوات تحرج وتحوب أي إن التفعل فيه للسلب.
وقرأ أبو حيوة وأبو بكر في رواية العتكي عنه «فظلتم» بكسر الظاء كما قالوا : مست بالكسر ومست بالفتح ، وحكاها الثوري عن ابن مسعود وجاءت عن الأعمش ، وقرأ عبد الله والجحدري ـ فظللتم ـ بلامين أولاهما مكسورة ، وقرأ الجحدري أيضا كذلك مع فتح اللام والمشهور ظللت بالكسر ، وقرأ أبو حزام «تفكنون» بالنون بدل الهاء ، قال ابن خالويه : تفكه بالهاء تعجب ، وتفكن بالنون تندم (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) أي معذبون مهلكون من الغرام وهو الهلاك قال الشاعر :
إن يعذب يكن غراما وإن يع |
|
ط جزيلا فإنه لا يبالي |
والمراد مهلكون بهلاك رزقنا ، وقيل : بالمعاصي أو ملزمون غرامة بنقص رزقنا ، وقرأ الأعمش والجحدري وأبو بكر ـ أإنا بالاستفهام والتحقيق ، والجملة على القراءتين بتقدير قول هو في حيز النصب على الحالية من فاعل تفكهون أي قائلين ، أو تقولون ذلك (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) محدودون لا مجدودون أو محرومون الرزق كأنهم لما قالوا : إنا مهلكون لهلاك رزقنا أضربوا عنه وقالوا : بل هذا أمر قدر علينا لنحوسة طالعنا وعدم بختنا ، أو لما قالوا : إنا ملزمون غرامة بنقص أرزاقنا أضربوا فقالوا : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) الرزق بالكلية (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) عذبا فراتا ، وتخصيص هذا الوصف بالذكر مع كثرة منافعه لأن الشرب أهم المقاصد المنوطة به (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ) أي السحاب واحدته مزنة ، قال الشاعر :
فلا مزنة ودقت ودقها |
|
ولا أرض أبقل إبقالها |
وقيل : هو السحاب الأبيض وماؤه أعذب (أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) له بقدرتنا.
(لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) ملحا ذعاقا لا يمكن شربه من الأجيج وهو تلهب النار. وقيل : الأجاج كل ما يلذع الفم ولا يمكن شربه فيشمل الملح والمر والحار ، فإما أن يراد ذلك ، أو الملح بقرينة المقام وحذفت اللام من جواب لو هاهنا للقرينة اللفظية والحالية ومتى جاز حذف ـ لم أر ـ في قول أوس :
حتى إذا الكلاب قال لها |
|
«...» كاليوم مطلوبا ولا طلبا |
والقرينة حالية فأولى أن يجوز حذفها وحدها لذلك على ما قرره الزمخشري ، وقرر وجها آخر حاصله أن اللام لمجرد التأكيد فتناسب مقام التأكيد فأدخلت في آية المطعوم دون المشروب للدلالة على أن أمره مقدم على أمره ، وأن