يستضيئون بها ويصطلون من البرد وينتفعون بها في الطبخ والخبز ، قال العلامة الطيبي والطبرسي : وعلى هذا القول ـ المقوي ـ من الأضداد يقال للفقير : مقو لخلوه من المال ، وللغني مقو لقوّته على ما يريد يقال : أقوى الرجل إذا صار إلى حال القوة والمعنى متاعا للأغنياء والفقراء لأنه لا غنى لأحد عنها انتهى.
وفيه بحث لا يخفى ، ولعل الأقرب عليه أنه أريد بالإقواء الاحتياج والمستمتع بها محتاج إليها فتدبر ، وتأخير هذه المنفعة للتنبيه على أن الأهم هو النفع الأخروي وتقديم أمر الماء على أمر النار لأن الاحتياج إليه أشد وأكثر والانتفاع به أعم وأوفر ، وقال بعضهم : قدم أمر خلق الإنسان من نطفة لأن النعمة في ذلك قبل النعمة في الثلاثة بعد ، ثم ذكر بعده ما به قوام الإنسان من فائدة الحرث وهو الطعام الذي لا يستغني عنه الجسد الحي وذلك الحب الذي يختبز فيحتاج بعد حصوله إلى حصول الماء ليعجن به فلذا ذكر بعده ثم إلى النار لتصيره خبزا فلذا ذكرت بعد الماء وهو كما ترى ، واستحسن بعضهم من القارئ أن يقول بعد كل جملة استفهامية من الجمل السابقة : بل أنت يا رب ، فقد أخرج عبد الرزاق وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن حجر المروي قال : بت عند عليّ كرم تعالى وجهه فسمعته وهو يصلي بالليل يقرأ فمر بهذه الآية (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) فقال : بل أنت يا رب ثلاثا ، ثم قرأ (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) فقال : بل أنت يا رب ثلاثا ، ثم قرأ (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) فقال : بل أنت يا رب ثلاثا ، ثم قرأ (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ) فقال : بل أنت يا رب ثلاثا ، وأنت تعلم أن في استحسان قول مثل ذلك في الصلاة اختلافا بين العلماء (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) مرتب على ما عدد من بدائع صنعه عزوجل وودائع نعمه سبحانه وتعالى ، والمراد على ما قيل : أحدث التسبيح تنزيلا للفعل المتعدي منزلة اللازم وأريد من إحداثه استمراره لا إيجاده لأنه عليه الصلاة والسلام غير معرض عنه ، وتعقبه الطيبي بأن هذا عكس ما يقتضيه لفظ الإحداث ، فالمراد تجديد التسبيح ، وفي الكلام إضمار أي سبح بذكر اسم ربك ، أو الاسم مجاز عن الذكر فإن إطلاق الاسم للشيء ذكره ، والباء للاستعانة أو الملابسة وكونها للتعدية كما هو ظاهر كلام أبي حيان ليس بشيء ، والعظيم صفة للاسم ، أو للرب ، وتعقيب الأمر بالتسبيح لما عدد إما لتنزيهه تعالى عما يقوله الجاحدون لوحدانيته عزوجل الكافرون بنعمه سبحانه مع عظمها وكثرتها ، أو للشكر على تلك النعم السابقة لأن تنزيهه تعالى وتعظيمه جل وعلا بعد ذكر نعمه سبحانه مدح عليها فهو شكر للمنعم في الحقيقة ، أو للتعجب من أمر الكفرة في غمط تلك النعم الباهرة مع جلالة قدرها وظهور أمرها ؛ وسبحان ترد للتعجب مجازا مشهورا فسبح بمعنى تعجب ، وأصله فقل سبحان الله للتعجب وفيه بعد وما تقدم أظهر.
هذا وجوز أن لا يكون في (بِاسْمِ رَبِّكَ) إضمار ولا مجاز بل يبقى على ظاهره فقد قالوا في قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى : ١] : كما يجب تنزيه ذاته تعالى وصفاته سبحانه عن النقائص يجب تنزيه الألفاظ الموضوعة لها عن سوء الأدب وهو أبلغ لأنه يلزمه تقديس ذاته عزوجل بالطريق الأولى على طريق الكناية الرمزية ، وفيه أنه إنما يتأتى لو لم تذكر الباء ، وجعلها زائدة خلاف الظاهر ، وحال كونها للتعدية قد سمعته ، وجعل بعضهم على هذا الخطاب لغير معين فقال : إنه تعالى لما ذكر ما ذكر من الأمور وكان الكل معترفين بأنها من الله تعالى وكان الكفار إذا طولبوا بالوحدانية قالوا : نحن لا نشرك في المعنى وإنما نتخذ أصناما آلهة وذلك إشراك في الاسم ، والذي خلقنا وخلق السماوات والأرض هو الله تعالى فنحن ننزهه في الحقيقة قال سبحانه : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ) على معنى كما أنك أيها الغافل اعترفت بعدم اشتراكها في الحقيقة اعترف بعدم اشتراكها في الاسم ولا تقل لغيره تعالى إلها فإن الاسم يتبع المعنى والحقيقة ، فالخطاب كالخطاب في قول الواعظ يا مسكين أفنيت عمرك وما