فمن يهجر رسول الله منكم |
|
ويمدحه وينصره سواء |
وهو مقبول على رأي الكوفيين دون رأي البصريين فإنهم لا يجوزون حذف الموصول في مثله ، وبعض أئمة المحققين بعد أن استقرب توجيه التقريب ولم يستبعد تنزيل ما سمعت عن الزمخشري وأبي علي عليه قال : وأقرب منه أن يقال : إن (الْمُصَّدِّقاتِ) منصوب على التخصيص كأنه قيل : «إن المصدقين» عاما على التغليب وأخص المتصدقات منهم كما تقول : إن الذين آمنوا ولا سيما العلماء منهم وعملوا الصالحات لهم كذا.
ووجه التخصيص ما ورد في قوله صلّى الله تعالى عليه وسلم : «يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار» يحضهن على الصدقة بأنهن إذا فعلن ذلك كان له تعالى أقبل وجزاؤه عنه سبحانه أوفر وأفضل ، ثم قال : ولما لم يكن الإقراض غير ذلك التصدق قيل : وأقرضوا أي بذلك التصدق تحقيقا لكينونته وأنهم مثل ذلك ممثلون عند الله تعالى بمن يعامل مع أجود الأجودين معاملة برضاه ، ولو قيل : والمقرضين لفاتت هذه النكتة انتهى.
ولا يخفى أن نصب المصدقات على التخصيص خلاف الظاهر ، وأما ما ذكره في نكتة العدول عن المفروضين فحسن وهو متأت على تخريج أبي علي والزمخشري ، وعلى تخريج أبي حيان ، وقال الخفاجي : القول ـ أي قول أبي البقاء ـ بأن أقرضوا إلخ معترض بين اسم إن وخبرها أظهر وأسهل ، وكأن النكتة فيه تأكيد الحكم بالمضاعفة ، وزعم أن الجملة حال بتقدير قد أو بدونها من ضميري المصدقين والمصدقات لا يخفى معنى وعربية فتدبر (يُضاعَفُ لَهُمْ) الضمير لجميع المتقدمين الذكور والإناث على التغليب كضمير أقرضوا ، والجار والمجرور نائب الفاعل ، وقيل : هو ضمير التصدق أو ضمير القرض على حذف مضاف أي يضاعف ثواب التصدق أو ثواب القرض لهم ، وقرأ ابن كثير وابن عامر «يضعّف» بتشديد العين ، وقرئ «يضاعف» بالبناء للفاعل أي يضاعف الله عزوجل لهم ثواب ذلك (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) قد مر الكلام فيه.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) قد بين كيفية إيمانهم في خاتمة سورة البقرة ، والموصول مبتدأ أول ، وقوله تعالى : (أُولئِكَ) مبتدأ ثان ، وهو إشارة إلى الموصول وما فيه من معنى البعد لما مر مرارا ، وقوله سبحانه : (هُمُ) مبتدأ ثالث ، وقوله عزوجل : (الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ) خبر الثالث ، والجملة خبر الثاني وهو مع خبره خبر الأول أو هم ضمير فصل وما بعده خبر الثاني ، وقوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) متعلق على ما قيل : بالثبوت الذي تقتضيه الجملة أي أولئك عند ربهم عزوجل وفي حكمه وعلمه سبحانه هم الصديقون والشهداء.
والمراد أولئك في حكم الله تعالى بمنزلة الصديقين والشهداء المشهورين بعلو الرتبة ورفعة المحل وهم الذين سبقوا إلى التصديق ورسخوا فيه واستشهدوا في سبيل الله جل جلاله وسمي من قتل مجاهدا في سبيله شهيدا لأن الله سبحانه وملائكته عليهمالسلام شهود له بالجنة ، وقيل : لأنه حي لم يمت كأنه شاهد أي حاضر ، وقيل : لأن ملائكة الرحمة تشهده ، وقيل : لأنه شهد ما أعد الله تعالى له من الكرامة ، وقيل : غير ذلك فهو إما فعيل بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول على اختلاف التأويل ، وقوله تعالى (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) خبر ثان للموصول على أنه جملة من مبتدأ وخبر. أو (لَهُمْ) الخبر وما بعده مرتفع به على الفاعلية وضمير (لَهُمْ) للموصول ، والضميران الأخيران للصديقين والشهداء ، والغرض بيان ثمرات ما وصفوا به من نعوت الكمال أي أولئك لهم مثل أجر الصديقين والشهداء ونورهم المعروفين بغاية الكمال وعزة المنال ، وقد حذف أداة التشبيه تنبيها على قوة المماثلة وبلوغها حد الاتحاد كما فعل ذلك أولا حيث قيل : أولئك هم الصديقون والشهداء وليست المماثلة بين ما للفريق الأول من الأجر والنور. وبين تمام ما للفريقين الأخيرين بل بين تمام ما للأول من الأصل والإضعاف وبين ما للأخيرين من الأصل بدون الإضعاف ، فالإضعاف هو الذي امتاز به