كونه صفة يدرك بها الأصوات غير صفة العلم ، أو كونه راجعا إلى صفة العلم ، والتحاور المرادة في الكلام ، وجوز أن يراد به الكلام المردد ، ويقال : كلمته فما رجع إلي حوارا وحويرا ومحورة أي ما رد علي بشيء ، وصيغة المضارع للدلالة على استمرار السمع حسب استمرار السمع حسب استمرار التحاور وتجدده ، وفي نظمها في سلك الخطاب تغليبا تشريف لها من جهتين ، والجملة استئناف جار مجرى التعليل لما قبله فإن إلحافها في المسألة ومبالغتها في التضرع إلى الله تعالى ومدافعته عليه الصلاة والسلام إياها وعلمه عزوجل بحالهما من دواعي الاجابة ، وقيل : هي حال كالجملة السابقة ، وفيه أيضا بعد ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) تعليل لما قبله بطريق التحقيق أي إنه تعالى يسمع كل المسموعات ويبصر كل المبصرات على أتم وجه وأكمله ومن قضية ذلك أن يسمع سبحانه تحاورهما ، ويرى ما يقارنه من الهيئات التي من جملتها رفع رأسها إلى السماء وسائر آثار التضرع ، والاسم الجليل في الموضعين لتربية المهابة وتعليل الحكم بما اشتهر به الاسم الجليل من وصف الألوهية وتأكيد استقلال الجملتين ، وقوله عزوجل : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ) شروع في بيان شأن الظهار في نفسه وحكمه المترتب عليه شرعا ، وفي ذلك تحقيق قبول تضرع تلك المرأة وإشكائها بطريق الاستئناف.
والظهار لغة مصدر ظاهر وهو مفاعلة من الظهر ، ويراد به معان مختلفة راجعة إلى الظهر معنى ولفظا باختلاف الأغراض ، فيقال : ظاهر زيد عمرا أي قابل ظهره بظهره حقيقة وكذا إذا غايظه ، وإن لم يقابل حقيقة باعتبار أن المغايظة تقتضي هذه المقابلة ، وظاهره إذا نصره باعتبار أنه يقال : قوي ظهره إذا نصره ، وظاهر بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر باعتبار جعل ما يلي به كل منهما الآخر ظهرا للثوب وظاهر من امرأته إذا قال لها : أنت علي كظهر أمي ، وغاية ما يلزم كون لفظ الظهر في بعض هذه التراكيب مجازا ، وهو لا يمنع الاشتقاق منه ويكون المشتق مجازا أيضا ، وهذا الأخير هو المعنى الذي نزلت فيه الآيات.
وعرفه الحنفية شرعا بأنه تشبيه المنكوحة أو عضوا منها يعبر به عن الكل كالرأس أو جزء شائع منها كالثلث بقريب محرم عليه على التأييد أو بعضو منه يحرم عليه النظر إليه.
وحكي عن الشافعية أنه تشبيهها أو عضو منها بمحرم من نسب أو رضاع أو مصاهرة أو عضو منه لا يذكر للكرامة كاليد والصدر ، وكذا العضو الذي يذكر لها كالعين والرأس إن قصد معنى الظهار ، وهو التشبيه بتحريم نحو الأم لا أن قصد الكرامة أو أطلق في الأصح ، وتخصيص المحرم بالأم قول قديم للشافعي عليه الرحمة ، وتفصيل ذلك في كتب الفقه للفريقين ، وكان الظهار بالمعنى السابق طلاقا في الجاهلية قيل : وأول الإسلام.
وحكى بعضهم أنه كان طلاقا يوجب حرمة مؤبدة لا رجعة فيه ، وقيل : لم يكن طلاقا من كل وجه بل لتبقى معلقة لا ذات زوج ولا خلية تنكح غيره ، وذكر بعض الأجلة أنهم كانوا يعدونه طلاقا مؤكدا باليمين على الاجتناب ، ولذا قال الشافعية : إن فيه الشائبتين ، وسيأتي إن شاء الله تعالى الإشارة إلى حكمه الشرعي وعدي بمن مع أنه يتعدى بنفسه لتضمنه معنى التبعيد ولما سمعت أنه كان طلاقا وهو مبعد ، والظهر في قولهم : أنت علي كظهر أمي قيل : مجاز عن البطن لأنه إنما يركب البطن ـ فكظهر أمي ـ أي كبطنها بعلاقة المجاورة ، ولأنه عموده لكن لا يظهر ما هو الصارف عن الحقيقة من النكات ، وقيل : خص الظهر لأنه محل الركوب والمرأة مركوب الزوج ، ومن ثم سمي المركوب ظهرا ، وقيل : خص ذلك لأن إتيان المرأة من ظهرها في قبلها كان حراما فإتيانه أمه من ظهرها أحرم فكثر التغليظ ، وإقحام (مِنْكُمْ) في الآية للتصوير والتهجين لأن الظهار كان مخصوصا بالعرب ، ومنه يعلم أنه ليس من مفهوم الصفة ليستدل به على عدم صحة ظهار الذمي كما حكي عن المالكية ، ومن هنا قال الشافعية : يصح من الذمي