فلا حاجة إلى تأويله بأحدهما كما فعل البعض ، والعود لما قالوا على المشهور عند الحنفية العزم على الوطء كأنه حمل العود على التدارك مجازا لأن التدارك من أسباب العود إلى الشيء ، ومنه المثل عاد غيث على ما أفسد أي تداركه بالإصلاح ، فالمعنى والذين يقولون ذلك القول المنكر ثم يتداركونه ينقضه وهو العزم على الوطء فالواجب عليهم إعتاق رقبة.
(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) أي كل من المظاهر والمظاهر منها ـ والتماس ـ قيل : كناية عن الجماع فيحرم قبل التكفير على ما تدل عليه الآية ، وكذا دواعيه من التقبيل ونحوه عندنا ، قيل : وهو قول مالك والزهري والأوزاعي والنخعي ، ورواية عن أحمد فإن الأصل أنه إذا حرم حرم بدواعيه إذ طريق المحرم محرم ، وعدم اطراد ذلك في الصوم والحيض لكثرة وجودهما فتحريم الدواعي يفضي إلى مزيد الحرج ، وقال العلامة ابن الهمام : التحقيق أن الدواعي منصوص على منعها في الظهار فإنه لا موجب لحمل التماس في الآية على المجاز لإمكان الحقيقة ، ويحرم الجماع لأنه من أفراد التماس كالمس والقبلة ، وقال غيره : تحرم أقسام الاستمتاع قبل التكفير لعموم لفظ التماس فيشملها بدلالة النص ، ومقتضى التشبيه في قوله : كظهر أمي فإن المشبه به لا يحل الاستمتاع به بوجه من الوجوه فكذا المشبه ، ويحرم عند الشافعية أيضا الجماع قبله ، وكذا يحرم لمس ونحوه من كل مباشرة لا نظر بشهوة في الأظهر كما في المحرر ، وقال الإمام النووي عليه الرحمة : الأظهر الجواز لأن الحرمة ليست لمعنى يخل النكاح فأشبه الحيض ، ومن ثم حرم الاستمتاع فيه فيما بين السرة والركبة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في هذا المقام.
وحكى البيضاوي عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أن نقض القول المراد بالعود بإباحة التمتع بها ولو بنظرة بشهوة ، وحمل ذلك على استباحة التمتع بمباشرته بوجه ما دون عدّه مباحا من غير مباشرة.
ولعله أريد بالمباشرة بوجه ما مباشرة ليست من التماس الذي قالوا بحرمته قبل التكفير ، وأيا ما كان فظاهر تعليق الحكم بالموصول يدل على علية ما في حيز الصلة أعني الظهار والعود له فهما سببان للكفارة وهذا أحد أقوال في المسألة.
قال العلامة ابن الهمام : اختلف في سبب وجوبها فقال في النافع : تجب بالظهار والعود لأن الظهار كبيرة فلا يصلح سببا للكفارة لأنها عبادة ، أو المغلب فيها معنى العبادة ولا يكون المحظور سببا للعبادة فعلق وجوبها بهما ليخف معنى الحرمة باعتبار العود الذي هو إمساك بمعروف فيكون دائرا بين الحظر والإباحة ، وعليه فيصلح سببا للكفارة الدائرة بين العبادة والعقوبة ، وقيل : سبب وجوبها العود والظهار شرطه ، ولفظ الآية أي المذكور يحتملهما فيمكن كون ترتيبها عليهما ، أو على الأخير لكن إذا أمكن البساطة صير إليها لأنها الأصل بالنسبة إلى التركيب فلهذا قال في المحيط : سبب وجوبها العزم على الوطء والظهار شرطه ، وهو بناء على أن المراد من العود في الآية العزم على الوطء ، واعترض بأن الحكم يتكرر بتكرر سببه لا شرطه والكفارة متكررة بتكرر الظهار لا العزم ، وكثير من مشايخنا على أنه العزم على إباحة الوطء بناء على إرادة المضاف في الآية أي يعودون لضد ما قالوا أو لتداركه ، ويرد عليه ما يرد على ما قبله ، ونص صاحب المبسوط على أن بمجرد العزم لا تتقرر الكفارة حتى لو أبانها أو ماتت من بعد العزم فلا كفارة فهذا دليل على أنها غير واجبة لا بالظهار ولا بالعود إذ لو وجبت لما سقطت بل موجب الظهار ثبوت التحريم ، فإذا أراد رفعه وجب عليه في رفعه الكفارة كما تقول لمن أراد الصلاة النافلة : يجب عليك إن صليتها أن تقدم الوضوء انتهى.
ولا يخفى أن إرادة المضاف غير متعين بناء على ما نقل عن الكثير من المشايخ ، وأن ظاهر الآية يفيد السببية كما ذكرنا آنفا ، ويكون الموجب للكفارة الأمران ، وبه صرح بعض الشافعية وجعل ذلك قياس كفارة اليمين ، ثم قال :