ولا ينافي ذلك وجوبها فورا مع أن أحد سببيها ـ وهو العود ـ غير معصية لأنه إذا اجتمع حلال وحرام ولم يمكن تميز أحدهما عن الآخر غلب الحرام ، وظاهر كلام الإمام النووي عليه الرحمة أن موجبها الظهار والعود شرط فيه وهو بعكس ما نقل عن المحيط ، ثم إن من جعل السبب العزم أراد به العزم المؤكد حتى لو عزم ثم بدا له أن لا يطأها لا كفارة عليه لعدم العزم المؤكد لا أنها وجبت بنفس العزم. ثم سقطت ـ كما قال بعضهم ـ لأنها بعد سقوطها لا تعود إلا بسبب جديد كذا في البدائع ، وذكر ابن نجيم في البحر عن التنقيح أن سبب الكفارة ما نسبت إليه من أمر دائر بين الحظر والإباحة ، ثم قال : إن كون كفارة الظهارة كذلك على قول من جعل السبب مركبا من الظهار والعود ظاهر لكون الظهار محظورا والعود مباحا لكونه إمساكا بالمعروف ونقضا للزور.
وأما على القول بأن المضاف ـ إليه وهو الظهار سبب ـ وهو قول الأصوليين فكونه دائرا بين الحظر والإباحة مع أنه منكر من القول وزور باعتبار أن التشبيه يحتمل أن يكون للكرامة فلم يتمحض كونه جناية ، واستظهر بعد أنه لا ثمرة للاختلاف في سببها معللا بأنهم اتفقوا على أنه لو عجلها بعد الظهار قبل العود جاز ولو كرر الظهار تكررت الكفارة وإن لم يتكرر العزم ، ولو عزم ثم ترك فلا وجوب ، ولو عزم ثم أبانها سقطت ولو عجلها قبل الظهار لم يصح ، ثم إنه لا استحالة في جعل المعصية سببا للعبادة التي حكمها أن تكفر المعصية وتذهب السيئة خصوصا إذا صار معنى الزجر فيها مقصودا وإنما المحال أن تجعل سببا للعبادة الموصلة إلى الجنة انتهى ، ولا يخلو عن حسن ما عدا توجيه كون الظهار دائرا بين الحظر والإباحة فإنه كما ترى.
وفسر بعضهم العود بالرجوع واللام بعن كما نقل عن الفراء أي ثم يرجعون عما قالوا : فيريدون الوطء ، قال الزيلعي : وهذا تأويل حسن لأن الظهار موجبه التحريم المؤبد فإذا قصد وطأها وعزم عليه فقد رجع عما قال : ولا يخفى أن جعل اللام بمعنى عن خلاف الظاهر ، وقيل : العود الرجوع ، والمراد بما قالوا ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار وهو التماس تنزيلا للقول منزلة المقول فيه نحو ما ذكر في قوله تعالى : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) [مريم : ٨٠] والمعنى ثم يريدون العود للتماس ، وفيه تجوزان ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى (ثُمَّ يَعُودُونَ) ثم يندمون ويتوبون أي يعزمون على التوبة ، وكأنه حمل العود على التدارك والتائب متدارك لما صدر عنه بالتوبة.
واعترض بأنه يقتضي أنه إذا لم يندم لا تلزمه الكفارة وإذا جعلت الكفارة نفس التوبة فأين معنى العود؟ وأيضا لا معنى لقول القائل ثم يعزمون على الكفارة (فَتَحْرِيرُ) إلخ ، والعود عند الشافعية يتحقق في غير مؤقت ورجعية بأن يمسكها على الزوجية ولو جهلا ونحوه بعد فراغ ظهاره ولو مكرر للتأكيد وبعد علمه بوجود الصفة في المعلق وإن نسي أو جنّ عند وجودها زمن إمكان فرقة شرعا فلا عود في نحو حائض إلا بالإمساك بعد انقطاع دمها لأن تشبيهها بالمحرم يقتضي فراقها فبعدم فعله صار ناقضا له متداركا لما قال ، فلو اتصل بلفظ الظهار فرقه بموت أو فسخ بنحو ردة قبل وطء أو طلاق بائن أو رجعي ، ولم يراجع أو جن أو أغمي عليه عقب اللفظ ولم يمسكها بعد الإفاقة فلا عود للفرقة أو تعذرها أولا عنها في الأصح بشرط سبق القذف ، والرفع للقاضي ظهاره في الأصح ولو راجع من ظاهر منها رجعية أو من طلقها رجعيا عقب الظهار أو ارتد متصلا وهي موطوءة ثم أسلم ، فالمذهب أنه عائد بالرجعة لأن المقصود بها استباحة الوطء لا بالإسلام لأن المقصود به العود للدين الحق والاستباحة أمر يترتب عليه إلا إذا أمسكها بعده زمنا يسع الفرقة ، وفي الظهار المؤقت الواقع كما التزم على الصحيح لخبر صحيح فيه الأصح أن العود لا يحصل بإمساك بل بوطء مشتمل على تغييب الحشفة أو قدرها من مقطوعها في المدة للخبر أيضا ولأن الحل منتظر بعدها ، فالإمساك يحتمل كونه لانتظاره أو للوطء فيها فلم يتحقق الإمساك لأجل الوطء إلا بالوطء فيها فكان المحصل للعود.