ظاهر في كون الكفارة عقوبة محضة ، وقد تقدم القول بأنها دائرة بين العبادة والعقوبة ، وكلام الزيلعي يدل على أن جهة العبادة فيها أغلب ، وفي شرح منهاج النووي لابن حجر في كتاب كفارة الظهار الكفارة من الكفر وهو الستر لسترها الذنب بمحوه أو تخفيف إثمه بناء على أن الكفارات زواجر كالتعازير أو جوابر للخلل ، ورجح ابن عبد السلام الثاني لأنها عبادة لافتقارها للنية أي فهي كسجود السهو.
والفرق بينها ـ على الثاني ـ وبين الدفن الكفارة للبصق على ما هو المقرر فيه أنه يقطع دوام الإثم أن الدفن مزيل لعين ما به المعصية فلم يبق بعده شيء يدوم إثمه بخلافها هنا فإنها ليست كذلك ، وعلى الأول الممحو هو حق الله تعالى من حيث هو حقه ، وأما بالنظر لنحو الفسق بموجبها فلا بد فيه من التوبة نظير نحو الحد انتهى.
ومتى قيل : بأن الإعتاق المذكور كفارة وأن الكفارة تستر الذنب بمحوه أو تخفيف إثمه لم يكن بدّ من استتباعه الثواب وكون ذلك لا يعدّ ثوابا لا يخلو عن نظر ؛ ولعل المراد أن المقصود الأعظم من شرع هذا الحكم الردع والزجر عن مباشرة ما يوجبه دون التعريض للثواب ، وإن تضمنه في الجملة فتأمل (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من الأعمال كالتكفير وما يوجبه من جناية الظهار (خَبِيرٌ) أي عالم بظواهرها وبواطنها ومجاريكم بها فحافظوا على حدود ما شرع لكم ولا تخلوا بشيء منها.
(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٥) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٧)
(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) أي فمن لم يجد رقبة فالواجب عليه صيام شهرين متتابعين من قبل التماس ، والمراد ـ بمن لم يجد ـ من لم يملك رقبة ولا ثمنها فاضلا عن قدر كفايته لأن قدرها مستحق الصرف فصار كالعدم ، وقدر الكفاية من القوت للمحترف قوت يوم. وللذي يعمل قوت شهر ـ على ما في البحر ـ ومن له عبد يحتاج لخدمته واجد فلا يجزئه الصوم ، وهذا بخلاف من له مسكن لأنه كلباسه ولباس أهله ، وعند الشافعية المراد به من لم يملك رقبة أو ثمنها فاضلا كل منهما عن كفاية نفسه وعياله العمر الغالب نفقة وكسوة وسكنى وأثاثا لا بد منه ، وعن دينه ولو مؤجلا.
وقالوا : إذا لم يفضل القنّ أو ثمنه عما ذكر لاحتياجه لخدمته لمنصب يأبى خدمته بنفسه أو ضخامة كذلك بحيث يحصل له بعتقه مشقة شديدة لا تحتمل عادة ولا أثر لفوات رفاهية أو مرض به أو بموته فلا عتق عليه لأنه فاقد شرعا ـ كمن وجد ماء وهو يحتاجه لعطش ـ وإلى اعتبار كون ذلك فاقدا ـ كواجد الماء المذكور ـ ذهب الليث أيضا.
والفرق عندنا على ما ذكره الرازي في أحكام القرآن أن الماء مأمور بإمساكه لعطشه واستعماله محظور عليه بخلاف الخادم ، واليسار والإعسار معتبران وقت التكفير والأداء ، وبه قال مالك ، وعن الشافعي أقوال في