يجوز تعلق الظرف بها ، و (أُسْوَةٌ) اسمها و (حَسَنَةٌ) صفته ، و (فِي إِبْراهِيمَ) خبرها ، أو (لَكُمْ) هو الخبر ، و (فِي إِبْراهِيمَ) صفة بعد صفة ـ لأسوة ـ أو خبر بعد خبر ـ لكان ـ أو حال من المستكن في (لَكُمْ) على ما قيل ، أو في (حَسَنَةٌ) ولم يجوز كونه صلة (أُسْوَةٌ) بناء على أنها مصدر ، أو اسمه وهو إذا وصف لا يعمل مطلقا لضعف شبهه بالفعل ، قيل : وإذا قلنا : إنها ليست مصدرا ولا اسمه ، أو قلنا : إنه يغتفر عمله وإن وصف قبل العمل في الظرف للاتساع فيه جاز ذلك.
والظاهر أن المراد ـ بالذين معه ـ عليهالسلام أتباعه المؤمنون لكن قال الطبري وجماعة : المراد بهم الأنبياء الذين كانوا قريبا من عصره عليه وعليهم الصلاة والسلام لأنه عليهالسلام لم يكن معه وقت مكافحته قومه وبراءته منهم أتباع مؤمنون كافحوهم معه وتبرءوا منهم ، فقد روي أنه قال لسارة حين رحل إلى الشام مهاجرا من بلد نمروذ : ما على الأرض من يعبد الله تعالى غيري وغيرك ، وأنت تعلم أنه لا يلزم وجود الاتباع المؤمنين في أول وقت المكافحة بل اللازم وجودهم ولو بعد ، ولا شك في أنهم وجدوا بعد فليحمل من معه عليهم ، ويكون التبري المحكي في قوله تعالى : (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) إلخ وقت وجودهم ، و (إِذْ) قيل : ظرف لخبر (كانَتْ) والعامل الجار والمجرور أو المتعلق ، أو ـ لكان ـ نفسها على ما مر ، أو بدل من (أُسْوَةٌ) و (بُرَآؤُا) جمع بريء كظريف وظرفاء.
وقرأ الجحدري «براء» كظراف جمع ظريف أيضا ، وقرأ أبو جعفر «برّاء» بضم الباء كتؤام وظؤار ، وهو اسم جمع الواحد بريء وتوام وظئر ، وقال الزمخشري : إن ذلك على إبدال الضم من الكسر كرخال بضم الراء جمع رخل ، وتعقب بأنه ضم أصلي ، والصيغة من أوزان أسماء الجموع ، وليس ذلك جمع تكسير فتكون الضمة بدلا من الكسرة ؛ ورويت هذه القراءة عن عيسى ، قال أبو حاتم : زعموا أنه عيسى الهمداني وعنه «براء» على فعال كالذي في قوله تعالى : (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) في [الزخرف : ٢٦] ، وهو مصدر على فعال يوصف به المفرد وغيره ، وتأكيد الجملة لمزيد الاعتناء بشأنها ، أو لأن قومهم المشركون مستبعدون ذلك شاكون فيه حيث يحسبون أنفسهم على شيء وكأنهم استشعروا ذلك منهم فقالوا لهم : (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ).
(وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام والكواكب وغيرها (كَفَرْنا بِكُمْ) بيان لقوله سبحانه : (إِنَّا بُرَآؤُا) إلى آخره فهو على معنى كفرنا بكم وبما تعبدون من دون الله ، ويكون المراد (بِكُمْ) القوم ومعبوديهم بتغليب المخاطبين ، والكفر بذلك مجاز أو كناية عن عدم الاعتداد فكأنه قيل : إنا لا نعتد بشأنكم ولا بشأن آلهتكم وما أنتم عندنا على شيء.
وفي الكشف أن الأصل كفرنا بما تعبدون ثم كفرنا بكم وبما تعبدون لأن من كفر بما أتى به الشخص فقد كفر به ، ثم اكتفى ـ بكفرنا بكم ـ لتضمنه الكفر بجميع ما أتوا به وما تلبسوا به لا سيما وقد تقدمه (إِنَّا بُرَآؤُا) فسر بأنا لا نعتد إلخ تنبيها على أنه تهكم بهم فإن ذلك لا يسمى كفرا لغة وعرفا وإنما هو اسم يقع على أدخل الأشياء في الاستهجان والذم ، وما ذكرناه أقرب ، وهو معنى ما في الكشاف دونه ، وأما ما قيل : إن في الكلام معطوفا على الجار والمجرور محذوفا أي بكم وبما تعبدون ، وحذف اكتفاء بدلالة السياق فليس بشيء.
(وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً) أي هذا دأبنا معكم لا نتركه (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك فتنقلب العداوة ولاية والبغضاء محبة ، وفسر الفيروزآبادي (الْبَغْضاءُ) بشدة البغض ضد الحب ، وأفاد أن العداوة ضد الصداقة ، وفسر الصداقة بالمحبة ، فالعداوة والبغضاء على هذا متقاربان ، وأفاد الراغب أن العداوة منافاة الالتئام قلبا ، وقال : البغض نفار النفس عن الشيء الذي ترغب عنه وهو ضد الحب ، ثم قال :