يقال : بغض الشيء بغضا وبغضة وبغضاء ، وهو نحو كلام الفيروزآبادي ، والذي يفهم من كلام غير واحد أنه كثيرا ما يعتبر في العداوة التخاذل دون البغضاء فليراجع هذا المطلب.
(إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) استثناء من قوله تعالى : (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) كما قاله قتادة. وجماعة وهو على تقدير التجريد أو تفسيرا ـ لأسوة ـ بالاقتداء منقطع بلا ريب ، وأما على تقدير أن يراد بها ما يؤتسى به فقيل : هو متصل ؛ وقيل : منقطع ، وإليه ذهب الأكثر ، وتوجيه الاستثناء إلى العدة بالاستغفار لا إلى نفس الاستغفار المحكي عنه عليهالسلام بقوله تعالى : (وَاغْفِرْ لِأَبِي) [الشعراء : ٨٦] الآية مع أنه المراد قيل : لأنها كانت هي الحاملة له عليهالسلام عليه ، ويعلم من ذلك استثناء نفس الاستغفار بطريق الأولى ، وجعلها بعضهم كناية عن الاستغفار لأن عدة الكريم خصوصا مثل إبراهيم عليهالسلام لا سيما إذا أكدت بالقسم يلازمها الإنجاز وليس بلازم كما لا يخفى ، وكأن هذه العدة غير العدة السابقة في سورة [مريم : ٤٧] في قوله تعالى حكاية عنه عليهالسلام : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) الآية ولعلها وقعت منه عليهالسلام بعد تلك تأكيدا لها وحكيت هاهنا على سبيل الاستثناء.
وفي الإرشاد تخصيصها بالذكر دون ما وقع في سورة مريم لورودها على طريق التوكيد القسمي ، واستثناء ذلك في الأسوة الحسنة قيل : لأن استغفاره عليهالسلام لأبيه الكافر بمعنى أن يوفقه الله تعالى للتوبة ويهديه سبحانه للإيمان وإن كان جائزا عقلا وشرعا لوقوعه قبل تبين أنه من أصحاب الجحيم وأنه يموت على الكفر كما دل عليه ما في سورة التوبة لكنه ليس مما ينبغي أن يؤتسى به أصلا إذ المراد به ما يجب الائتساء به حتما لورود الوعيد على الإعراض عنه بقوله تعالى بعد : (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فاستثناؤه عما سبق إنما يفيد عدم وجوب استدعاء الإيمان والمغفرة للكافر المرجوّ إيمانه ، وذلك مما لا يرتاب فيه عاقل ، وأما عدم جوازه فلا دلالة للاستثناء عليه قطعا ، وزعم الإمام علي ما نقل عنه دلالة الآية على ذلك ، ولا يلزم أن يكون الاستغفار منه عليهالسلام معصية لأن كثيرا من خواص الأنبياء عليهمالسلام لا يجوز التأسي به لأنه أبيح لهم خاصة وهو كما ترى إذ هو ظاهر في أن ذلك الاستغفار الذي وقع منه عليهالسلام لو فرض واقعا من غيره لكان معصية وليس كذلك بل هو مباح ممن وقع.
وعن الطيبي ما حاصله : إن إبراهيم عليهالسلام لما أجاب قول أبيه : (لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) [مريم : ٤٦] بقوله : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) رحمة ورأفة به ، ولم يكن عارفا بإصراره على الكفر وفى بوعده ، وقال : (وَاغْفِرْ لِأَبِي) فلما تبين إصراره ترك الدعاء وتبرأ منه ، فظهر أن استغفاره لم يكن منكرا ، وهو في حياته بخلاف ما نحن فيه فإنه فصل عداوتهم وحرصهم على قطع أرحامهم بقوله تعالى : (لَنْ تَنْفَعَكُمْ) إلخ وسلاهم عن القطيعة بقصة إبراهيم عليهالسلام ثم استثنى منها ما ذكر كأنه قيل : لا تجاملوهم ولا تبدوا لهم الرأفة كما فعل إبراهيم لأنه لم يتبين له كما تبين لكم انتهى ، وفيه رمز إلى احتمال أن يكون المستثنى نفس العدة من حيث دلالتها على الرأفة والرحمة ، ومآل ذلك استثناء الرأفة والرحمة ، وعلل بعض الأجلة عدم كون استغفاره عليهالسلام لأبيه الكافر مما لا ينبغي أن يؤتسى به بأنه كان قبل النهي أو لموعدة وعدها إياه ؛ وتعقب الثاني بأن الوعد بالمحظور لا يرفع حظره ، والأول بأنه مبني على تناول النهي لاستغفاره عليهالسلام له مع أن النهي إنما ورد في شأن الاستغفار بعد تبين الأمر ، وقد كان استغفاره عليهالسلام قبله ، ومنبئ عن كون الاستغفار مؤتسى به لو لم ينه عنه مع أن ما يؤتسى به ما يجب الائتساء به لا ما يجوز فعله في الجملة ، وأجيب بما لا يرفع القال والقيل ؛ فالأولى التعليل بما سبق.
واستظهر أبو حيان أن الاستثناء من مضاف لإبراهيم مقدر في نظم الآية الكريمة أي لقد كان لكم أسوة حسنة في مقالات إبراهيم ومحاوراته لقومه (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ) إلخ ، وجزم باتصال الاستثناء عليه ، وكذا جزم الطيبي